Social Icons

16‏/03‏/2011

تضحية شباب العرب طريق إلى سعادة شعوبهم العربية


بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بلغت شقاوة الإنسانية غاية ما وراءها غاية ، وعلم الله عند بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن الروم والفرس والأمم المتحضرة المترفة لن تتعرض للخطر ، وتتحمل المتاعب والمصاعب في سبيل خدمة الإنسانية البائسة ، وأنها لا تتنازل عن حظوظها ولذاتها وزخارفها فضلاً عن حاجاتها ، وأنه لا يوجد فيها أفراد يقوون على قهر شهواتهم ، والحد من أطماعهم ، والزهد في فضول الحياة ومطامع الدنيا .
لقد اختار الله لرسالته امة تضطلع بأعباء الناس ، وتقوى على التضحية والإيثار ، من أجل صلاح الإنسانية أجمع .
لقد جاء وفد قريش وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما يغري من المال والجاه والرئاسة والملك ، وكلمه عمه وحاول أن يحد من نشاطه لكنه أبى عليه الصلاة والسلام إلا المضي في سبيل إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، من الخضوع للبشر إلى الخضوع لرب البشر ، ومن الذل والمهانة إلى العزة والكرامة .
كان أسوة الناس في عصره ، وبعد عصره بقيامه بكل صنوف الخلق الرفيع من الزهد والإيثار والقناعة وشظف العيش ، وتعدى ذلك إلى أسرته وأهل بيته ، فكان أكثر الناس اتصالاً به وأقربهم إليه أقلهم حظاً في الحياة ، وأعظمهم نصيباً في التضحية والإيثار ، فإذا أراد أن يحّرم شيئاً بدأ ذلك بعشيرته وبيته ، وإذا سن حقاً أو فتح باباً لمنفعة قدم الآخرين وربما حرّمه على عشيرته الأقربين .
لقد أراد أن يحرم الربا فبدأ بربا عمه العباس بن عبد المطلب فوضعه كله ، وأراد أن يهدم دماء الجاهلية فبدأ بدم ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب فأبطله ، وسن الزكاة وهي منفعة مالية عظيمة مستمرة فحرمها على عشيرته بني هاشم إلى آخر الدهر ، وكلمه علي بن أبي طالب يوم الفتح أن يجمع لبني هاشم الحجامة مع السقاية فأبى ، وطلب ذلك عثمان بن طلحه وناوله مفتاح الكعبة ، وحمل أزواجه على الزهد والقناعة وشظف العيش ، وخيرهن بين عشرتهن مع الفقر وضيق العيش ، أو مفارقته لهن ، مع سعة الرزق والعيش ، وهكذا كان شانه مع أهل بيته المتصلين به فالأقرب ثم الأقرب ، ومع أصحابه من بعده ، لأن سعادة البشرية إنما كانت تتوقف على ما يقدمونه من تضحية وإيثار ، وما يتحملون من خسائر ونكبات في سبيل سعادة الشعوب اجمع .
لقد كان إحجام العرب عن هذه المكرمة وترددهم في ذلك في عصرنا الحاضر ، كان امتداداً لشقاء الإنسانية واستمراراً للأوضاع السيئة في العالم قال تعالى : (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
إن العالم لا يسعد وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم ، تدور حياتهم حول المادة ، والمعدة ، لا يفكرون في غيرها ، ولا يترفعون عنها ، لقد كان شباب بعض الأمم الجاهلية الذين ضحوا بمستقبلهم في سبيل المبادئ التي اعتنقوها أكبر منهم نفعاً ، وأوسع منهم فكراً .
لقد أتى على العالم العربي عهدا ، أصبحت الحياة فيه تدور حول فرد وأحد ، وهو شخص الملك أو الرئيس ، وحول حفنة من الرجال وهم الوزراء وأبناء الملوك والرؤساء ، وأصبحت البلاد ملكاً شخصياً لذلك الفرد السعيد ، والشعوب كلها فوجاً من الخدم والعبيد ، يتحكم في أموالهم وأملاكهم ونفوسهم وأعراضهم ، عندها أصبحت الشعوب هزيلة لا شخصية لها ولا كرامة ، وأصبح هذا الفرد هو الذي تدور لأجله عجلة الحياة .
إن هذا العهد غير قابل للبقاء والاستمرار في أي مكان وفي أي زمان ، ولا سبيل إليه إلا إذا كانت الأمة مغلوبة على أمرها أو مصابة في عقلها ، أو فاقدة الوعي والشعور ، أو ميتة النفس والروح .
إن هذا الوضع لا يقره عقل ، ومن يسوّغ أن يتخم فرداً أو بضعة أفراد بأنواع من الخيرات ، وتموت الشعوب جوعاً ومسغبة .
من الذي يسوغ أن يعبث أفراداً بالمال عبث المجانين ، والناس لا يجدون من القوت ما يقيم صلبهم .
إن هذا العهد يتهاوى ، لقد بقي مدة طويلة فقد كان ذلك على غفلة من الشعوب أو على الرغم منها ، ولكنه خليق بأن ينهار ، ويتداعى كلما أشرقت شمس الحرية ، واستيقظ الوعي لدى الشعوب ، وهبت تحاسب نفسها وأفرادها ، كما حدث في تونس ومصر ، والحبل على الجرار .
إن أخوف ما يخاف على الشعوب ، ويعرضها لكل خطر ، ويجعلها فريسة للمنافقين ، ولعبة العابثين هو فقدان الوعي ، وافتتانها بكل دعوة ، واندفاعها إلى كل موجة ، وخضوعها لكل متسلط ، وتصبح لا تميز بين الصديق والعدو ، وبين الناصح والغاش ، وأن تلدغ بجحر مرة بعد مرة ، ولا تنصحها الحوادث والأيام ، ولا تروعها التجارب ، ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأنانية والجبُن والعجز ، وكان سبباً للهزيمة والذلّة ، ولا تزال تضع ثقتها فيه ، وتنسى سريعاً ما لاقت على يده من الخسائر والنكسات ، سريعة النسيان لماضي الزعماء والقادة ، وهي ضعيفة في الوعي الديني والاجتماعي والسياسي ، وذلك ما جر عليها ويلاً عظيماً وشقاءً كبيراً ، وسلط عليها القيادة الزائفة المخادعة .
إن الأمم الأوربية برغم إفلاسها في الروح والأخلاق ، لكنها قوية الوعي المدني والسياسي ، وأصبحت تعرف نفعها من ضررها ، وتميز بين الناصح والمخادع ، وبين المخلص والمنافق ، وبين الكفؤ والعاجز ، فلا تولي قيادها إلا الأكفاء والأقوياء والأمناء ، ثم توليهم أمورها على حذر ، فإذا رأت منهم عجزاً أو خيانة أو رأت أنهم مثلوا دورهم وانتهوا ، تخلت عنهم ، وبادلتهم برجالاً أقوى منهم ، وأعظم كفاءة ، وأجدر بالموقف ، ولم يمنعها من إقالتهم أو إقصائهم من الحكم ، فأصبح الزعماء ورجال الحكم حذرين ساهرين يخافون رقابة الأمة وعقابها ، وبطش الشعوب الجبارة .
فمن أعظم ما يخدم الشعوب الحالية ، وتؤمن من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي هو إيجاد الوعي في طبقاتها المختلفة ، وتربية الجماهير التربية العقلية والمدنية والسياسية .
إننا نحتاج اليوم إلى مثل أولائك الشباب الذين ليدهم القدرة على التضحية بإمكانياتهم ومستقبلهم في سبيل خدمة الإنسانية .
إن العالم العربي بمواهبه وخصائصه وحسن موقعه الجغرافي ، وأهميته السياسية ، يحسن الاضطلاع برسالة الإسلام ، ويستطيع أن يتقلد زعامة العالم الإسلامي ، ويزاحم الغرب ، بقوة رسالته ، ويحول العالم من الشر إلى الخير ، ومن النار والدماء إلى الهدوء والسلام .



0 التعليقات: