Social Icons

04‏/04‏/2011

القضية الجنوبية بين الوحدة المعمدة بالدم وثورة الشباب



الوحدة المعمدة بالدم كلمات طالما سمعناها من الرئيس علي صالح وهو يتفاخر بأنها إحدى منجزاته التي حققها في ظل حكومة الوحدة الرشيد وقيادته العبقرية من وجهة نظره .
لم يتساءل أصحابه ومَن حوله وهو يصفقون له بقوة ، لماذا عمد القائد الرمز ذلك الإنجاز بالدم ، أهان سفك دم الشريك ، بينما دم الأخ والقريب أصبح من السبع الموبقات في هذه الأيام ، أما الإعلام الرسمي فقد جعلها (الوحدة المعمدة بالدم ) شعاراً لواجهات برامجه في كثير من المناسبات الرسمية ، وعلى وسائله المختلفة ، ولا ننسى علم الوحدة وهو يرفع من على تراب عدن الحرة ، والجميع حوله يحفونه بالابتسامات الجميلة ، وبأمل المستقبل المشرق ، إلا أن تلك الابتسامات غُيبت عندما طمسها الإعلام الرسمي بعد الحرب الهمجية في صيف 94م ، عندما استبيحت البلاد ، وانتهكت فيها الحقوق وسلبت فيها الحريات .
لقد حرص الإعلام الرسمي بكل وسائله على تزوير وتشويه الحقائق ، ولم يكتفي بذلك بل عمد على مسخ وتضليل المجتمع بأسره ، وأصبح أسيراً لذلك الفكر النازي ، الذي لا يعكس بأي حال من الأحوال صوت الناس من حوله ، كما يفعل هذه الأيام مع شباب الثورة في جميع محافظات اليمن .
لقد كرس الإعلام الرسمي بكل وسائله صورة ذلك القائد الرمز وهو يرفع العلم الوحدوي ، وقد غيب الشركاء من حوله ، حتى تناسى الكثير من الناس أن الوحدة هي اتفاق بين شطرين أصبحت بموجب ذلك الاتفاق دولة واحدة ، لا من صنع شخص واحد ، إلا أن يكون عن طريق الإكراه أو القوة . لقد اخُتزلت الوحدة بشخص الرئيس القائد ، كما اختزلت كثير من الدول العربية مثل ليبيا بصورة القائد الفاتح ، ولا اعتقد انه خداع للنظر بل حقيقة بكل المقاييس .
فهل شباب الثورة عندما ينتصرون على القائد الرمز يتركون صورته ترفرف عالياً على العلم الوحدوي ؟ أم أنهم يجعلون ذلك العلم يسلك الاتجاه الصحيح في طريق تحقيق الوحدة الحقيقية التي كان يحلم بها كل أبناء اليمن ؟ هل سيتم إسقاط صورة القائد الرمز كما اَسقَط هو شُركائه أثناء حكمه ؟
وصدق من قال : من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ، وبنفس ألكاس الذي سقيت فيه غيرك ، ستُسقى منه ، والجزاء من جنس العمل .
ويأتي المشهد الفاصل الذي صوره القرآن في قوله تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) عندها يتساءل الكثير ، هل سيظل علم الوحدة يرفرف بدون صانعيه ؟ هل ستظل الوحدة المعمدة بالدم المنتهية الصلاحية سارية المفعول بعد رحيل موئسها الأوحد كما يحلو للبعض تسميته ؟ أم أنها ستنتهي بانتهاء صاحبها ؟
ويأتي الدور على شباب الثورة ويصبحون أمام الواقع ، والامتحان الحقيقي ، فهل سيعيدون صياغة الوحدة من جديد ؟ أم سيمارسون نفس أسلوب القائد الرمز ، في الإقصاء وعدم الاعتراف بان القضية الجنوبية قضية سياسية وليست حقوقية كما يعتقد الكثير ، أم يستمر العلم الوحدوي يرفرف بشخصيات جديدة ، ونتمنى أن لا يعمدوه بالدم كذلك .
ان القضية الجنوبية لا يلغيها شعار أبنائها وهم يرددون شعار الشعب يريد إسقاط النظام ، لان هذا الشعار كان مرفوعا منذ زمن طويل ، وقد قدم الجنوبيون العشرات من الشهداء ، والآلف الجرحى من أجل الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية ، ولم يكن الشهر أو الشهرين هو عمر النضال السلمي للثورة ، وإذا اعتقد شباب الثورة أن القضية الجنوبية قد سقطت بترديد ذلك الشعار ، عندها نصبح كما قال المثل الشعبي ديمة قلبنا بابها .
ان شباب الثورة في المحافظات الشمالية إن لم يتداركوا خطورة الموقف بخصوص القضية الجنوبية ، والاعتراف بأنها قضية سياسة عادلة ، وقضية اليمن المحورية ، وأهم قضية على الخارطة السياسية في اليمن بعد الثورة ، لا أقول أنهم سيقعون بشباك الماضي الأسود ، بل أخشى عليهم من تلك الشباك .
وكما قال الدكتور عيدروس النقيب في أحد مقالاته ، ان القضية الجنوبية هي قضية دولة دُمرت وأرض نُهبت ، وحقوق صُودرت ، ومشاركة وطنية وئدت ، وتاريخ يزور ، وهوية تمسخ ، ودماء تسفك ، وأرواح تزهق .
القضية الجنوبية هي قضية حية لأنها قضية تاريخ وحقوق ، وهوية وانتماء وإرادة ، وهي على كل حال جزء جوهري من القضية اليمنية الكبرى ومدخل لها .
، ولا يخشى مناصروها تهمة الانفصال التي دائما تقترن بكل من يتحدث عن القضية الجنوبية ، والتي ظلت السلطة ومخابراتها ، وأجهزة إعلامها ترددها ضد الناشطين السياسيين السلميين من أنصار القضية الجنوبية .
ويقول أحد الكتاب في مطلع حديثه عن القضية الجنوبية ، ان الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية هي نتاج طبيعية لحرب 1994م ، لا يساعد على حلها بإزالة آثار 94م ، هذه الحرب التي تعد بحد ذاتها نتيجة لفشل الوحدة ، أو سياسة السيطرة على الوحدة من قبل القائد الرمز .
ان الظروف التي أحاطت بسرعة إعلان قيام الوحدة دون سابق إعداد وتحضير مكتمل لها ، وما رافق مرجعيتها السياسية والقانونية من أخطاء وتشوهات ونوقض كبيرة ، وما أعقبها من سياسات خاطئة أوصلت الوحدة إلى طريق مسدود ، وإلى ما نحن عليه اليوم ، من الظلم والقهر والاضطهاد .
جاء حرب 94م لاستبعاد الجنوب ليس من شراكة الدولة فحسب بل جرى استبعاده من شراكة السلطة ليخرج الجنوب بالكامل من المعادلة السياسية ، وظهور إفرازاته في الوحدة المعمدة بالدم وعودة الفرع إلى الأصل وغيرها من الأقاويل .
ان حرب 94م لم تكن تستهدف الحزب الاشتراكي وإقصائه من السلطة وإخراجه من مسرح الحياة السياسية فحسب ، بل استهدفت الجنوب الأرض والثروة ، وتهميش وتجهيل وإقصاء الإنسان .
ان قيام دولة الوحدة الحديثة تمثل هدفا رئيساً لجميع القوى السياسية والفئات الاجتماعية حاملة المشروع النهضوي الحديث ، فهل وصل أبناء اليمن إلى الوعي الحقيقي لبناء دولة الشراكة والمواطنة المتساوية ، لا دولة الزعيم القائد الرمز ؟
وتبقى القضية الجنوبية رمزا للنضال السلمي في العامل العربي اجمع .