Social Icons

15‏/11‏/2011

السلفيون والديمقراطية الخلاف الحاد والرؤية الواحدة .

الكاتب / طارق الكلدي

إذا تجاوزنا الحركات الإسلامية التي تطرح برامج سياسية متطرفة وتريد أن تفرض الشريعة بالقوة حيث وأن هذه الحركات قد أصبحت مرفوضة عند الإسلاميين عامة والسلفيين منهم على وجه التحديد ومثلها الجماعات الإسلامية مجهولة الهوية ! ممن لا رؤية لهم سوى التعبير عن مواقفهم الرافضة لكل البرامج المطروحة ، فإذا تجاوزنا هؤلاء فإننا نجد أنفسنا أمام الغالبية العظمى من الإسلاميين بمن فيهم رموز التيار السلفي كل هؤلاء يتفقون على جواز جعل السلطة بيد الشعب وعلى جواز المشاركة السياسية في ضل وجود حكومات غير إسلامية وترك وسائل العنف في الفلسفة التغييرية واستبدالها بالوسائل السلمية حسب ما هو موجود في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة من الانتخابات والاستفتاء العام وترجيح حكم الأغلبية والتعددية السياسية ، وحق الأقلية في المعارضة ، وحرية الإعلام ، واستقلال القضاء وغيرها من الآليات التي تدار من خلالها الخلافات والصراعات بين الرؤى المتباينة ، ويؤكد هذا التيار على شرعية تلك الأمور إذا انضبطت بالضوابط الشرعية ، وأنت لو نظرت إلى العالم الديمقراطي كله لرأيته يكيف الديمقراطية بما يتوافق مع دينه وثقافته فالصليب على علم بريطانيا والسويد واليونان وهو شعار يؤكد مسيحية تلك الدول ولو رجعت إلى الدستور الأسباني في المادة السابعة لوجدته ينص على وجوب أن يكون رئيس تلك الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية ومثله القانون الإنجليزي ينص في مادته الثالثة من قانون التسوية على أن كل شخص يتولى الملك يجب أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانيين بأن يكونوا أعضاء في المجلس اللوردات كذلك الدستور الدنمركي ينص الدستور في المادة الأولى على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجليزية اللوثرية وأن الكنيسة الإنجليزية اللوثرية هي الكنيسة الأم المعترف بها في الدنمارك وينص الدستور السويدي في المادة الرابعة على وجوب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجليزي الخالص كما ينص على نفس هذا الشرط بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني فهذه أمور لا تتعارض مع ديمقراطية تلك الدول ولا يوجد ما يمنعنا نحن من تكييف نظم وآليات الديمقراطية وأن نضع الشروط التي تناسبنا كمسلمين ،وبهذا يُحصر اعتراض السلفيين على الديمقراطية في زاوية ضيقة سنناقشها بعد التنبيه على أمرين مهمين نضعهما في الاعتبار ونحن نقرأ هذا الموضوع :


الأول : إن الدول العربية تمر بمرحلة انتقالية خطيرة ومعقدة أشد التعقيد وقد تستمر هكذا عشرات السنين فإن لم نتكاتف جميعاً للحفاظ على كل مكوناتها ونلتزم المصداقية في العمل المشترك ، والتسوية السياسية المنضبطة فإن الوطن العربي سينجر نحو المزيد من التفكك والانهيار .

ثانياً : إن جميع الإشكاليات التي يتوقعها السلفيون من نتائج الديمقراطية إن هم قبلوا بها لا يمكن أن تحصل مطلقاً بل هي أشبه ما تكون بالفرضيات الخرافية ودليل الواقع يثبت عكس هذه التوقعات تماماً .

لقد ذكرت آنفاً أن التيار السلفي العام لا اعتراض عنده على الديمقراطية كآلة ومضمون والآن نناقش اعتراضه عليها كمفرد أو مصطلح له أبعاده العقدية – كما يقولون- إذ الديمقراطية تعني حكم الشعب الذي يقابله في الإسلام حكم الله وهو كفرُ بإجماع المسلمين وهذا لا خلاف عليه إذا كانت المعادلة بهذا الشكل ولكن لا يسلَّم لهم بذلك فحكم الشعب في الفكرة الديمقراطية لا يقابل بحكم الله بل يقابل بحكم الفرد ( الديكتاتورية ) وبمعنى آخر : من هو أداة التنفيذ للحكم والتشريع الفرد أم الشعب ؟

أما بماذا يحكم ويشرع فهذه مسألة أخرى تعود إلى الخلفية الأيدلوجية لهذا الشعب أو ذاك والمطلوب دائماً المعاملة بحذر مع المفردات التي قد تُحدث تشويشاً بسبب تعدد ما يقابلها وهذا شأن الكثير من المتشابهات والمتقابلات وإن كان الأولى بنا استعمال المصطلحات المحكمة حتى يزول اللبس وينتهي السجال ولكننا أمام ثقافة واقع موجود نتعامل معه كما هو ولا بد .

وفي اعتقادي أن مقابلة حكم الشعب ( الديمقراطية ) بحكم الله في نظر هذا التيار وغيرهم ممن يوافقونهم الرأي في ذلك له سببان اثنان .

السبب الأول : إنهم تناولوا مفردة الديمقراطية وخلطوها بأفكار أخرى مثل الليبرالية والعلمانية وغيرها من المفاهيم التي تحتوي على أيدلوجيات معينة وهذا غير صحيح إذ النظام الديمقراطي لا يوجد فيه ما يمنع من تطبيق الشريعة إذا كان ذلك بموافقة الأغلبية الشعبية وإنما الممنوع هو أن يفرض ذلك على الناس قسراً بقوة الحديد والنار وهذا ما يأباه السلفيون أنفسهم فأسلمة الشعب عندهم مقدمة على تطبيق الشريعة ، لأن الإسلام لم ينزل ليحكم شعوباً منافقة ، بل الحكم عبادة والعبادة لا تقبل إلا بالاستسلام المطلق قال الله تعالى : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله )، وقوله : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدون في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) .

السبب الثاني : لكونهم خلطوا بين ( حكم الله ) و ( الحكم بما أنزل الله ) وهذا الخلط من الأسباب التي أوقعتهم في تلك المعادلة وقد سبقهم إلى مثل هذا الخوارج حينما كفروا الإمام علي بن أبي طالب وقالوا : أحكمت الرجال والله يقول ( إن الحكم إلا لله ) ، فحكم الله : هو النصوص الشرعية المعصومة وهي موجودة بالقوة ومفروضة علينا من حيث هي ، بخلاف الحكم بما أنزل الله : فهو الواقع البشري لترجمة حكم الله وهو معرض للقصور والخطأ وقد يواجه بالرفض في أوقات كثيرة فهو نتاج إنساني لا يوجد إلا إذا توفرت أسبابه وتهيأت ظروفه ورُحب به على أرض الواقع ، والفكرة الديمقراطية لم تتعرض لحكم الله بشيء أبداً لم تفرضه كما أنها لم تلغه كذلك لأنها مجرد آلة ونظام فقط وأما الحكم بما أنزل الله فقد أزالت – الديمقراطية من أمامه عقبات كثيرة وربما تكون هي أخصر الطرق لوجوده

*كل ما في الديمقراطية أنها رفضت العنف واستبدلته بوسائل التغيير السلمية وجعلت هذا بمثابة عهود ومواثيق يوقع عليها جميع الفرقاء سياسياً ولا يوجد في الشريعة ما يمنعنا من الالتزام بذلك ما دمنا نؤمن بأن الجهاد وسيلة لا غاية وفي نفس الوقت نرى الانتخابات جائزة وهل من المعقول أن نرفض نحن – السلفيين - ترك القتال الذي اتفق كل المتخاصمين سياسياً على تركه في وقت كل وسائل الثروة والثورة بيد خصومنا ونرفض وحدنا استبداله بالوسائل السلمية – الانتخابات – التي تحسمها أصوات الشعب والتي لا يحصدها يوم الفرز إلا نحن !!

هنا قد يعترض البعض : وهل يجوز لنا أن نوقع على ذلك ونلتزم للخصم أن نسلم له إذا كانت النتيجة لصالحه ؟

ولهذا السائل نقول : ما الفرق بين أن نقر مبدأ العنف ونوقع مع الخصم على أنه إن غلبنا بحد سيفه سلمنا له إن هو تركنا على قيد الحياة وبين التزامنا بالتسليم له إن غلبنا بقوة الكم ؟ ففي الحالين نحن ضعيف ! والقضية تعود إلى مدى اقتناعنا بترك القوة القتالية واستبدالها بالقوة الكمية فقط .

وفي حال سلمنا له فإننا سنتحول إلى خانة المعارضة وهي تعني تمام رفضنا لمشروعه ونستمر في مشروعنا إلى الحصول على نصاب يسمح لنا بتغيير دستور إسلامي كامل وفي حال وصولنا إلى الحكم بنصاب لا يسمح لنا بذلك فإننا سنحكم بالموجود ونكون معذورين بضعفنا حالنا كحال النجاشي رضي الله عنه ، وسنصلح في حدود الصلاحيات المتاحة لنا في الدستور الموجود و( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .

بقي سؤال هو الأهم في هذا الموضع : وماذا لو طالبت الأقلية بتنحية الشريعة في حال وصول التيار الإسلامي إلى الحكم بنصاب يسمح له بتغيير الدستور ألا تمنحهم الديمقراطية هذا الحق ؟

لا يوجد في الديمقراطية حرية مطلقة ، فالحريات مربوطة دائماً بالدستور فإذا كان قرار الأمة عبر دستورها ينص على عدم جواز قيام أحزاب علمانية وغيرها ، فلا يمكن أن يصادر أحدٌ قرار الأمة ويكون بذلك قيام هكذا أحزاب محظوراً وفق الدستور بل حتى في الغرب الذي يعطي مجالاً واسعاً للحرية يوجد هناك حضرٌ على المطالبة ببعض التشريعات كالمطالبة بتأسيس حزب شيوعي في أمريكا وكالمطالبة بعودة الحزب النازي في ألمانيا ... وهذا المنع منصوص عليه في الدستور ( بقرار شعب ) وليس مفروضاً عليهم بالقسر والقوة .

ولنفترض أن المعادلة كانت علينا وصار قرار الأمة عبر دستورها ينص على عدم قيام أحزاب على أساس إسلامي وهذا معناه أن الأمة في مجموعها قد اتخذت موقفاً عدائياً من الإسلام نفسه ، وهل يتصور هذا في خير أمة أخرجت للناس ؟!

ومن باب المساجلة الجدلية نقول : إن الحركات الإسلامية لديها كامل الاستعداد والمرونة للتكيف مع المستجدات مهما كانت مطمئنة إلى شرعية مشروعهم وقدرته على التوسع والانسياب بشكل مذهل وسنعمل جاهدين بصورة فردية إن كانت تشريعات الدستور العلماني تسمح بذلك أو بأي طريقاً آخر لتكوين قاعدة شعبية مقتنعة بالحل الإسلامي نحدث من خلالها ثورة سلمية ، ولن نتخلى عن الميثاق الذي وقعنا عليه مع خصومنا من الالتزام بالخيارات السلمية مهما كانت النتائج ، ونرى الوفاء بذلك واجباً شرعياً لا مجرد واجب سياسي كما هو شأن الأحزاب الدنيوية الصرفة .

وأخيراً : ألا تتفقون معي – معاشر السلفيين – على أن مواقعكم في حال مشاركتكم في اللعبة الديمقراطية مُنسجمة مع الأصول الإسلامية وأن مواقفكم الشرعية من الآخر لا تتغير بمجرد المشاركة بل هي هي وربما تكون أشد من مواقف المحرمين للديمقراطية وإنما اختلاط المفاهيم هو الذي يقرر الكثير من المواقف الفكرية ويجرنا إلى خلافات عقدية حادة ! في وقت تكون حقيقة الآراء عند التمحيص واحدة .

0 التعليقات: