Social Icons

28‏/04‏/2011

الدولة الإسلامية (مدنية ) لا دينية ولا علمانية .

الكاتب : طارق الكلدي .


لقد عانت الشعوب الغربية أشد المعاناة من الدولة القيصرية التي حكمتهم وتحكمت فيهم بِكَهنتِها خلال العصور الوسطى باسم الدين المقدس ، فزعمت لرأس الدولة بأنه ابن السماء المعصوم بل زعمت ذلك لجميع عمال أجهزتها وادعت بأن قولهم الفصل يمثلون بسلوكهم في الأرض إرادة الرب في السماء !!

وكانت تقوم هذه الدولة الدينية المقدسة! (حسب زعمهم) بحروب طاحنة ضد كل من لم يدين بدينها من الشعوب التي تحكمها بل حتى ضد من لم يلتزم مذهبها الخاص بها داخل الدين الواحد!!

واستطاعت الشعوب الأوروبية طبعاً بعد جهد طويل أن يجعلوها علمانية تعيد الكهنة إلى داخل الكنيسة وتفصل الدين عن الدولة وتمنع الكنيسة من تجاوزها لحدود صلاحياتها ، وعادت الكنيسة إلى حالتها الطبيعية إذ هي رسالة روحية بحتة لا علاقة لها بالسياسة مطلقاً ، وهذا ما صرح به إنجيلها قائلاً : ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله )

إن الدولة الدينية الكهنوتية التي تحّكمت في الغرب فيما مضى باسم الدين المقدس هي السبب الوحيد في اختيار الشعب الأوروبي للبديل العلماني ، وهذان الخياران السياسيان كلاهما لا مكان لهما في المجتمع المسلم الذي تقوم دولته الإسلامية على العلاقة المرنة المتزنة بين الدين والدولة وذلك لأن نصوص رسالته في هذا الشأن نصوص غايات ومقاصد تتغير في النظام والآليات بحسب تطور الزمان والمكان والشعوب ، وهذا ما يجعلها صالحة لكل عصر ومصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وأمّا رأس الدولة الإسلامية وعمال جميع أجهزتها فهم بشر يصيبون ويخطئون تختارهم الشعوب وتراقبهم وتشترط عليهم ، ومن حقها أن تعزلهم إذا وجد فيهم ما يمنع بقاءهم ويتعارض مع مهامهم ويوجب العزل ، والنصوص الشرعية في هذا الشأن كثيرة غير خافية بل أكدها بالقول الخليفة الأول في الدولة الإسلامية في أول خطبة له بعد مبايعته بالخلافة حيث قال : لقد وليت عليكم ولست بأفضلكم ... فإن أخطأت فقوموني ) ومثل هذا التأكيد صح عن بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

وإذا كانت الدولة الدينية في الغرب النصراني قد أكرهت شعوبها على التدين بدينها بقوة الحديد والنار فإن الدولة الإسلامية قد منحت طوال حكمها المخالفين لها في الدين حرية البقاء على دينهم إن هم أرادوا ذلك سواء كانوا أهل كتاب سماوي محرف ، أو أهل دين وضعي أرضي كالمجوس ونحوهم ما داموا في إطار حكم الدولة الإسلامية من الناحية السياسة ، وقد عاشوا مواطنين في الدولة الإسلامية بكل حرية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم حسب ما يقره الإسلام .

ولهذا نقول بأن الدولة الدينية هي الدولة التي جميع أركانها دين مقدس وهذه الدولة ليس لها وجود في المنهج الإسلامي بل أن اجتثاثها والإتيان عليها من أساسها جزء لا يتجزأ من مهام رسالة الإسلام الخاتمة.

وإن كانت العلمانية في الغرب النصراني طبيعية لكون رسالتهم روحية لا هم لها سوى تزكية النفس فقط فإنها -العلمانية -تتعارض مع ثقافة الشرق الإسلامي الذي نطقت نصوص رسالته السماوية المتواترة بما ينافي ذلك ويضاده إذ هي رسالة شاملة لكل نواحي الحياة بدون استثناء وهذا قضية محسومة ومعلومة من الدين بالضرورة ، ولا يسعنا كمسلمين مناقشتها أبداً إلا إذا جوّزنا لأنفسنا مناقشة الإسلام ذاته.

فالدولة الإسلامية هي الدولة التي تعترف بالإسلام عقيدة وشريعة وتمارس ذلك عملياً فان هي تنكرت للإسلام عند الممارسة والتطبيق وإن اعترفت به من ناحية نظرية كما هو حاصل في دول العالم الإسلامي هذه الأزمان فلا تكون إسلامية أبداً ويعد اعترافها بالإسلام مجرد إدعاء فقط .

وإذا كان وصف الإسلام لا يُرفَع عن الدولة الإسلامية حتى في ضل حكم الدكتاتور الظالم فانه يتوجب علينا أن نقيدها -الدولة الإسلامية -بالمدنية- وهذا مقتضى جهاد الظالمين إذ الدولة المدنية هي دولة العدالة والنظام والقانون وليس لها خلفية أيدلوجية معينة وهذا القيد ( المدنية ) مهم جداً نحتاج له في التخلص من الدكتاتور المسلم كما احتاج له الغرب ليتخلصوا به من الدكتاتور اللاديني ( العلماني ) .

14‏/04‏/2011

الـسـلـفـيـة الـمـوجـهـة والـتـغـيـيـر

السلفية الموجهة والتغيير

لقد أصبح التغيير من ضرورات هذه المرحلة التي نعيشها ، بسبب تأزم الأمور ، وتردي الأوضاع ، وانحدار البلاد إلى المجهول ، واتجاه البلد لكارثة مدمرة ، وهنا يقف الفكر السلفي الموجه حجر عثراء في طريق ذلك التغيير المنشود ، بل ويقف في صف الدكتاتور الظالم المتسلط على رقاب المسلمين الذي يسعى الشعب لإزالته وتغييره ، بسبب ظلمه وفساده ، وابتعاده عن المنهج الحق ، والطريق المستقيم . بل هو من يناصره ويتشبث به ، ويختلق الكثير من الحجج الباطلة لبقائه ، ويعتقد ذلك الفكر أن ما يقوم به من صميم الدين ، وأي دين يجيز لهم صناعة الدكتاتور والعيش في ظله !

ان السلفية الموجهة ليست هي الإسلام ، وليست هي الدين بذاته ، وليست هي الفهم الأوحد للإسلام ، أو المخولة بالتحدث باسمه ، ومن يفرضها على أنها المنهج الصحيح للمسلمين كمن يفرض نفسه هذه الأيام حاكما ، من غير إرادة شعبه .

لقد شكا الإمام ابن القيم رحمه الله من جمود فقهاء زمنه ، وحمّل ابن القيم الفقهاء الجامدين تبعة انحراف الأمراء والحكام ، وشرودهم عن منهج الشريعة السمحة .

وما زال لهؤلاء الجامدين من أهل الفقه أخلاف في عصرنا هذا، يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري ، ولكنهم يفكرون بعقول علماء ماتوا من قرون ، وقد تغير كل شيء تقريباً في الحياة عما كان عليه الحال في عهود أولئك العلماء .

رأينا هؤلاء يخرجون على إجماع الأمة الثابت طوال تاريخها حيث آمنت بأن الإسلام عقيدة وشريعة ، ودين ودولة ، وعبادة وقيادة ، وصلاة وجهاد ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول رئيس لدولة الإسلام .

باعتقادي ان المشكلة التي دفعتهم إلى هذا السلوك ، والوقوف ضد من يطالب بالحقوق المشروعة التي كفلها الإسلام ، وبالطرق السلمية التي كفلتها قوانين الحكام الذين يناصرونهم ، هو عدم امتلاكهم تصور حقيقي لخصائص الحكم الرشيد الذي تُبنى عليه الدولة المدنية المسلمة .

منذ أن انتهت الخلافة الراشدة بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، انتهى مشروع الحكم الإٍسلامي العادل ، الذي يقوم على أساس تبادل السلطة ، وتساوي أفراد الدولة جميعاً ، فلا فرق بين ابيض على اسود إلا بالتقوى ، وتحول مشروع الحكم إلى مشروع فردي ، في ظل نظام ملكي يقوم على الحكم الفرد وتوريث السلطة ، وترسيخ التبعية والولاء المطلق ، وتجريم المخالف ، فانتهى النظام الشوروي القائم على الاختيار الاكفئ والأجدر للقيام بمهمة هي في النهاية مغرم وليس بمغنم ، بل وأمانة يحاسب من يتهاون بها أو يخونها ، وهو في النهاية وكيل عن الأمة ، بل أجير عندها ، فلها عليه ولاية الموكِّل على الوكيل ، والمستأجر على الأجير .

لقد استطاع ذلك الحكم ، وبقربه من العهد النبوي أن يقمع كل من يخالفه ، بطمس معالم الحكم الإسلامي الرشيد ، واستبعاد التصور الحقيقي للحكم ومواصفات الحاكم ، والتركيز على طاعته وعدم الخروج عليه ، بوضع الأحاديث ودسها في ذيول الأحاديث الصحيحة حتى يبدوا للمستمع من أول وهلة أنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم يجب الأخذ بها لتحقيق طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاستنان بسنته .

ثم إن طبيعة الإسلام باعتباره منهجاً يريد أن يسود ويقود ويُوجِّه الحياة ، ويحكم المجتمع ، ويضبط سير البشر وفق أوامر الله ، لا يُظن به أن يكتفي بالخطابة والتذكير والموعظة الحسنة كما هو ديدن الكثير من المشايخ في هذا الزمان ، ولا أن يدع أحكامه ووصاياه وتعليماته في شتَّى المجالات إلى ضمائر الأفراد وحدها ، فإذا سقمت هذه الضمائر أو ماتت سقمت معها وماتت تلك الأحكام .

لذا لا سبيل إلى إصلاح ذلك الحاكم الظالم الجائر إلا بالتغيير ، لا كما يدعي بعض المشايخ الفضلاء ، الذين لا يعرفون من السياسة إلا اسمها إبقائه ومن ثم إصلاحه ، فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم ، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه ، وفاقد الشيء لا يعطيه .

لقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن تطبيقه ، والأخذ به ، وجعله منهجاً لحكمهم وسياستهم ، بل هم العكس من ذلك يفرون منه إلى ما سواه ، ويأتي دور الشباب ، أصحاب لعقول النيرة ، والقلوب التواقة إلى الإصلاح والتغيير ، البعيدين كل البعد عن أحقاد الماضي ومشكلاته ، فيجب تنويرهم بجلال الإسلام وروعة القرآن ، وبالدولة المدنية ، والحكم الذي يشترك فيه الجميع حتى نصل جميعاً إلى ما نصبوا إليه ونؤمله .

ان ذلك الحاكم الذي ننشده ينظر إلى الإسلام بعين ، وإلى العصر بعين ، ويجمع بين القديم النافع والجديد الصالح ، ويوازن بين الثوابت والمتغيرات ، ويدعو إلى احترام العقل ، وتجديد الفكر ، والاجتهاد في الدين ، والابتكار في الدنيا ، ويقتبس من أنظمة العصر أفضل ما فيها .

لقد خرج الفكر السلفي الموجه من سياسة الحكم ، وأصبح يعيش تبع للحاكم الظالم الدكتاتور ، ويدور معه حيثما وجد ، بل ويكون الواجهة لتلك الأنظمة الفاشية لإضفاء الشرعية عليها ، وتثبيتها في كثير من البلدان العربية والإسلامية ، وابتعد عن تطبيق الإسلام في واقع الحياة ، والعيش معه في عالم الأحلام .

وعلى بعد تلك المدة من زمن الخلافة الراشدة ، إلا أن المسلمين ما زالوا يراوحون مكانهم ، ولذا يخسر العالم الكثير بسبب هذا الفكر القاصر الذي يدعي الأحقية بل والحصر لمفهوم الإسلام ، وان كل ما سواه باطل من كل الوجوه . حتى وصل بنا الأمر إلى هذا الانحطاط المخزي ؟

أن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه بقوة في الوقت الحاضر هو ماذا يستفيد العالم ويجنيه من الفوائد بتقدم المسلمين ؟ وماذا يخسر بتخلفهم في الفكر والسياسة والاقتصاد وفي القوة وغيرها ؟

ان الخضوع والاستكانة للأحوال القاصرة ، والأوضاع القاهرة ، والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام ، أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد .

ما أحوج المسلمين اليوم إلى من يرد عليهم إيمانهم بأنفسهم وثقتهم بماضيهم ، ورجاءهم في مستقبلهم ، لا من يمرق وجوههم في التراب بسبب تلك المقالات القاصرة ، وما أحوجهم لمن يرد عليهم إيمانهم بهذا الدين الذي يحملون اسمه ، ويجهلون كهنه ، وبالوراثة أكثر مما يتخذونه بالمعرفة .

الكثير من يتصور السلفية بأنها ليست حزباً ، ولكنها منهج دين وحياة ، وإنها تنظيم الدنيا بالدين ، ولكن الواقع خلاف ذلك ، فلم نرى التنظيم والترتيب للدين في واقع الحياة ، مما نسمعه من الآراء والنظريات ، وإنما هي عبارة عن شعارات يتغنى بها الكثير ، عن حسن نية وبغير قصد ، لا تلامس واقع الحياة ، بل تزيده تعقيداً ولا تقدم حلولا واقعية لكثير من المشكلات .

إذاً هناك انفصام بين النظرية والتطبيق في الفكر السلفي الموجه، بل يحاول أن يقصي جميع من حوله ليدور في فلك الوحدانية المطلقة في عصر التعدد والتنوع ، والرأي والرأي الآخر .

ان الإنسانية تشقى بتحول الحكم والسلطان والرفاهية والنعيم من فرد إلى آخر من جنسه ، ومن جماعة إلى جماعة أخرى مثلها في الجور والاستبداد ، وحكم الإنسان للإنسان ، وتأتي سنة الله القاهرة التي لا تقف في طريقها أقوى الترسانات والاحتياطات والإمكانات ، سنة التغيير ، يقول تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) بل إن كثراً من هؤلاء الحكام والسلاطين تحولوا إلى ويل وبلاء ودمار لذلك النوع الإنساني ، فلا بد من منع الفساد والمرض في جسم المجتمع البشري ، الذي يسري منه السم في أعصابه وعروقه ، ويتعدى المرض إلى الجسم السليم ، فكان لا بد من عملية جراحية ، فكان قطع هذا الجسم السقيم وإبعاده من الجسم السليم مظهراً كبيراً لربوبية رب العالمين ورحمته ، ويستوجب الحمد والامتنان من جميع أعضاء الأسرة الإنسانية ، بل من جميع أفراد الكون : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

ولأسف كان انسحاب العلماء والمصلحون من ميدان الحياة ، واتجاههم إلى الخلوات ، فراراً بدينهم من الفتن كما يدعون ، أو رغبة إلى الدعة والهدوء ، وفراراً من تكاليف الحياة وجدها ، أو إخفاقاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة ، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا ، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم ، واكل أموال الناس بالباطل ، فأصبح الدين فريسة العابثين والمتلاعبين ، ولعبة المحرفين والمنافقين ، حتى فقدت روحها وشكلها .

وأصبحت مهود الحضارة والثقافة والحكم والسياسة ، مسرح الفوضى والانحلال والاختلال ، وسوء النظام ، وعسف الحكام ، ولا تحمل للعالم رسالة ولا للأمم دعوة ، وأفلست في معنوياتها ، ونضب معين حياتها ، لا تملك مشروعاً صافياً للحكم من الدين السماوي ، وألا نظاماً ثابتاً من الحكم البشري .

بعض الكلمات منتقاة من كتابات بعض العلماء بتصرف .

04‏/04‏/2011

القضية الجنوبية بين الوحدة المعمدة بالدم وثورة الشباب



الوحدة المعمدة بالدم كلمات طالما سمعناها من الرئيس علي صالح وهو يتفاخر بأنها إحدى منجزاته التي حققها في ظل حكومة الوحدة الرشيد وقيادته العبقرية من وجهة نظره .
لم يتساءل أصحابه ومَن حوله وهو يصفقون له بقوة ، لماذا عمد القائد الرمز ذلك الإنجاز بالدم ، أهان سفك دم الشريك ، بينما دم الأخ والقريب أصبح من السبع الموبقات في هذه الأيام ، أما الإعلام الرسمي فقد جعلها (الوحدة المعمدة بالدم ) شعاراً لواجهات برامجه في كثير من المناسبات الرسمية ، وعلى وسائله المختلفة ، ولا ننسى علم الوحدة وهو يرفع من على تراب عدن الحرة ، والجميع حوله يحفونه بالابتسامات الجميلة ، وبأمل المستقبل المشرق ، إلا أن تلك الابتسامات غُيبت عندما طمسها الإعلام الرسمي بعد الحرب الهمجية في صيف 94م ، عندما استبيحت البلاد ، وانتهكت فيها الحقوق وسلبت فيها الحريات .
لقد حرص الإعلام الرسمي بكل وسائله على تزوير وتشويه الحقائق ، ولم يكتفي بذلك بل عمد على مسخ وتضليل المجتمع بأسره ، وأصبح أسيراً لذلك الفكر النازي ، الذي لا يعكس بأي حال من الأحوال صوت الناس من حوله ، كما يفعل هذه الأيام مع شباب الثورة في جميع محافظات اليمن .
لقد كرس الإعلام الرسمي بكل وسائله صورة ذلك القائد الرمز وهو يرفع العلم الوحدوي ، وقد غيب الشركاء من حوله ، حتى تناسى الكثير من الناس أن الوحدة هي اتفاق بين شطرين أصبحت بموجب ذلك الاتفاق دولة واحدة ، لا من صنع شخص واحد ، إلا أن يكون عن طريق الإكراه أو القوة . لقد اخُتزلت الوحدة بشخص الرئيس القائد ، كما اختزلت كثير من الدول العربية مثل ليبيا بصورة القائد الفاتح ، ولا اعتقد انه خداع للنظر بل حقيقة بكل المقاييس .
فهل شباب الثورة عندما ينتصرون على القائد الرمز يتركون صورته ترفرف عالياً على العلم الوحدوي ؟ أم أنهم يجعلون ذلك العلم يسلك الاتجاه الصحيح في طريق تحقيق الوحدة الحقيقية التي كان يحلم بها كل أبناء اليمن ؟ هل سيتم إسقاط صورة القائد الرمز كما اَسقَط هو شُركائه أثناء حكمه ؟
وصدق من قال : من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ، وبنفس ألكاس الذي سقيت فيه غيرك ، ستُسقى منه ، والجزاء من جنس العمل .
ويأتي المشهد الفاصل الذي صوره القرآن في قوله تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) عندها يتساءل الكثير ، هل سيظل علم الوحدة يرفرف بدون صانعيه ؟ هل ستظل الوحدة المعمدة بالدم المنتهية الصلاحية سارية المفعول بعد رحيل موئسها الأوحد كما يحلو للبعض تسميته ؟ أم أنها ستنتهي بانتهاء صاحبها ؟
ويأتي الدور على شباب الثورة ويصبحون أمام الواقع ، والامتحان الحقيقي ، فهل سيعيدون صياغة الوحدة من جديد ؟ أم سيمارسون نفس أسلوب القائد الرمز ، في الإقصاء وعدم الاعتراف بان القضية الجنوبية قضية سياسية وليست حقوقية كما يعتقد الكثير ، أم يستمر العلم الوحدوي يرفرف بشخصيات جديدة ، ونتمنى أن لا يعمدوه بالدم كذلك .
ان القضية الجنوبية لا يلغيها شعار أبنائها وهم يرددون شعار الشعب يريد إسقاط النظام ، لان هذا الشعار كان مرفوعا منذ زمن طويل ، وقد قدم الجنوبيون العشرات من الشهداء ، والآلف الجرحى من أجل الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية ، ولم يكن الشهر أو الشهرين هو عمر النضال السلمي للثورة ، وإذا اعتقد شباب الثورة أن القضية الجنوبية قد سقطت بترديد ذلك الشعار ، عندها نصبح كما قال المثل الشعبي ديمة قلبنا بابها .
ان شباب الثورة في المحافظات الشمالية إن لم يتداركوا خطورة الموقف بخصوص القضية الجنوبية ، والاعتراف بأنها قضية سياسة عادلة ، وقضية اليمن المحورية ، وأهم قضية على الخارطة السياسية في اليمن بعد الثورة ، لا أقول أنهم سيقعون بشباك الماضي الأسود ، بل أخشى عليهم من تلك الشباك .
وكما قال الدكتور عيدروس النقيب في أحد مقالاته ، ان القضية الجنوبية هي قضية دولة دُمرت وأرض نُهبت ، وحقوق صُودرت ، ومشاركة وطنية وئدت ، وتاريخ يزور ، وهوية تمسخ ، ودماء تسفك ، وأرواح تزهق .
القضية الجنوبية هي قضية حية لأنها قضية تاريخ وحقوق ، وهوية وانتماء وإرادة ، وهي على كل حال جزء جوهري من القضية اليمنية الكبرى ومدخل لها .
، ولا يخشى مناصروها تهمة الانفصال التي دائما تقترن بكل من يتحدث عن القضية الجنوبية ، والتي ظلت السلطة ومخابراتها ، وأجهزة إعلامها ترددها ضد الناشطين السياسيين السلميين من أنصار القضية الجنوبية .
ويقول أحد الكتاب في مطلع حديثه عن القضية الجنوبية ، ان الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية هي نتاج طبيعية لحرب 1994م ، لا يساعد على حلها بإزالة آثار 94م ، هذه الحرب التي تعد بحد ذاتها نتيجة لفشل الوحدة ، أو سياسة السيطرة على الوحدة من قبل القائد الرمز .
ان الظروف التي أحاطت بسرعة إعلان قيام الوحدة دون سابق إعداد وتحضير مكتمل لها ، وما رافق مرجعيتها السياسية والقانونية من أخطاء وتشوهات ونوقض كبيرة ، وما أعقبها من سياسات خاطئة أوصلت الوحدة إلى طريق مسدود ، وإلى ما نحن عليه اليوم ، من الظلم والقهر والاضطهاد .
جاء حرب 94م لاستبعاد الجنوب ليس من شراكة الدولة فحسب بل جرى استبعاده من شراكة السلطة ليخرج الجنوب بالكامل من المعادلة السياسية ، وظهور إفرازاته في الوحدة المعمدة بالدم وعودة الفرع إلى الأصل وغيرها من الأقاويل .
ان حرب 94م لم تكن تستهدف الحزب الاشتراكي وإقصائه من السلطة وإخراجه من مسرح الحياة السياسية فحسب ، بل استهدفت الجنوب الأرض والثروة ، وتهميش وتجهيل وإقصاء الإنسان .
ان قيام دولة الوحدة الحديثة تمثل هدفا رئيساً لجميع القوى السياسية والفئات الاجتماعية حاملة المشروع النهضوي الحديث ، فهل وصل أبناء اليمن إلى الوعي الحقيقي لبناء دولة الشراكة والمواطنة المتساوية ، لا دولة الزعيم القائد الرمز ؟
وتبقى القضية الجنوبية رمزا للنضال السلمي في العامل العربي اجمع .