Social Icons

14‏/04‏/2011

الـسـلـفـيـة الـمـوجـهـة والـتـغـيـيـر

السلفية الموجهة والتغيير

لقد أصبح التغيير من ضرورات هذه المرحلة التي نعيشها ، بسبب تأزم الأمور ، وتردي الأوضاع ، وانحدار البلاد إلى المجهول ، واتجاه البلد لكارثة مدمرة ، وهنا يقف الفكر السلفي الموجه حجر عثراء في طريق ذلك التغيير المنشود ، بل ويقف في صف الدكتاتور الظالم المتسلط على رقاب المسلمين الذي يسعى الشعب لإزالته وتغييره ، بسبب ظلمه وفساده ، وابتعاده عن المنهج الحق ، والطريق المستقيم . بل هو من يناصره ويتشبث به ، ويختلق الكثير من الحجج الباطلة لبقائه ، ويعتقد ذلك الفكر أن ما يقوم به من صميم الدين ، وأي دين يجيز لهم صناعة الدكتاتور والعيش في ظله !

ان السلفية الموجهة ليست هي الإسلام ، وليست هي الدين بذاته ، وليست هي الفهم الأوحد للإسلام ، أو المخولة بالتحدث باسمه ، ومن يفرضها على أنها المنهج الصحيح للمسلمين كمن يفرض نفسه هذه الأيام حاكما ، من غير إرادة شعبه .

لقد شكا الإمام ابن القيم رحمه الله من جمود فقهاء زمنه ، وحمّل ابن القيم الفقهاء الجامدين تبعة انحراف الأمراء والحكام ، وشرودهم عن منهج الشريعة السمحة .

وما زال لهؤلاء الجامدين من أهل الفقه أخلاف في عصرنا هذا، يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري ، ولكنهم يفكرون بعقول علماء ماتوا من قرون ، وقد تغير كل شيء تقريباً في الحياة عما كان عليه الحال في عهود أولئك العلماء .

رأينا هؤلاء يخرجون على إجماع الأمة الثابت طوال تاريخها حيث آمنت بأن الإسلام عقيدة وشريعة ، ودين ودولة ، وعبادة وقيادة ، وصلاة وجهاد ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول رئيس لدولة الإسلام .

باعتقادي ان المشكلة التي دفعتهم إلى هذا السلوك ، والوقوف ضد من يطالب بالحقوق المشروعة التي كفلها الإسلام ، وبالطرق السلمية التي كفلتها قوانين الحكام الذين يناصرونهم ، هو عدم امتلاكهم تصور حقيقي لخصائص الحكم الرشيد الذي تُبنى عليه الدولة المدنية المسلمة .

منذ أن انتهت الخلافة الراشدة بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، انتهى مشروع الحكم الإٍسلامي العادل ، الذي يقوم على أساس تبادل السلطة ، وتساوي أفراد الدولة جميعاً ، فلا فرق بين ابيض على اسود إلا بالتقوى ، وتحول مشروع الحكم إلى مشروع فردي ، في ظل نظام ملكي يقوم على الحكم الفرد وتوريث السلطة ، وترسيخ التبعية والولاء المطلق ، وتجريم المخالف ، فانتهى النظام الشوروي القائم على الاختيار الاكفئ والأجدر للقيام بمهمة هي في النهاية مغرم وليس بمغنم ، بل وأمانة يحاسب من يتهاون بها أو يخونها ، وهو في النهاية وكيل عن الأمة ، بل أجير عندها ، فلها عليه ولاية الموكِّل على الوكيل ، والمستأجر على الأجير .

لقد استطاع ذلك الحكم ، وبقربه من العهد النبوي أن يقمع كل من يخالفه ، بطمس معالم الحكم الإسلامي الرشيد ، واستبعاد التصور الحقيقي للحكم ومواصفات الحاكم ، والتركيز على طاعته وعدم الخروج عليه ، بوضع الأحاديث ودسها في ذيول الأحاديث الصحيحة حتى يبدوا للمستمع من أول وهلة أنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم يجب الأخذ بها لتحقيق طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاستنان بسنته .

ثم إن طبيعة الإسلام باعتباره منهجاً يريد أن يسود ويقود ويُوجِّه الحياة ، ويحكم المجتمع ، ويضبط سير البشر وفق أوامر الله ، لا يُظن به أن يكتفي بالخطابة والتذكير والموعظة الحسنة كما هو ديدن الكثير من المشايخ في هذا الزمان ، ولا أن يدع أحكامه ووصاياه وتعليماته في شتَّى المجالات إلى ضمائر الأفراد وحدها ، فإذا سقمت هذه الضمائر أو ماتت سقمت معها وماتت تلك الأحكام .

لذا لا سبيل إلى إصلاح ذلك الحاكم الظالم الجائر إلا بالتغيير ، لا كما يدعي بعض المشايخ الفضلاء ، الذين لا يعرفون من السياسة إلا اسمها إبقائه ومن ثم إصلاحه ، فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم ، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه ، وفاقد الشيء لا يعطيه .

لقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن تطبيقه ، والأخذ به ، وجعله منهجاً لحكمهم وسياستهم ، بل هم العكس من ذلك يفرون منه إلى ما سواه ، ويأتي دور الشباب ، أصحاب لعقول النيرة ، والقلوب التواقة إلى الإصلاح والتغيير ، البعيدين كل البعد عن أحقاد الماضي ومشكلاته ، فيجب تنويرهم بجلال الإسلام وروعة القرآن ، وبالدولة المدنية ، والحكم الذي يشترك فيه الجميع حتى نصل جميعاً إلى ما نصبوا إليه ونؤمله .

ان ذلك الحاكم الذي ننشده ينظر إلى الإسلام بعين ، وإلى العصر بعين ، ويجمع بين القديم النافع والجديد الصالح ، ويوازن بين الثوابت والمتغيرات ، ويدعو إلى احترام العقل ، وتجديد الفكر ، والاجتهاد في الدين ، والابتكار في الدنيا ، ويقتبس من أنظمة العصر أفضل ما فيها .

لقد خرج الفكر السلفي الموجه من سياسة الحكم ، وأصبح يعيش تبع للحاكم الظالم الدكتاتور ، ويدور معه حيثما وجد ، بل ويكون الواجهة لتلك الأنظمة الفاشية لإضفاء الشرعية عليها ، وتثبيتها في كثير من البلدان العربية والإسلامية ، وابتعد عن تطبيق الإسلام في واقع الحياة ، والعيش معه في عالم الأحلام .

وعلى بعد تلك المدة من زمن الخلافة الراشدة ، إلا أن المسلمين ما زالوا يراوحون مكانهم ، ولذا يخسر العالم الكثير بسبب هذا الفكر القاصر الذي يدعي الأحقية بل والحصر لمفهوم الإسلام ، وان كل ما سواه باطل من كل الوجوه . حتى وصل بنا الأمر إلى هذا الانحطاط المخزي ؟

أن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه بقوة في الوقت الحاضر هو ماذا يستفيد العالم ويجنيه من الفوائد بتقدم المسلمين ؟ وماذا يخسر بتخلفهم في الفكر والسياسة والاقتصاد وفي القوة وغيرها ؟

ان الخضوع والاستكانة للأحوال القاصرة ، والأوضاع القاهرة ، والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام ، أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد .

ما أحوج المسلمين اليوم إلى من يرد عليهم إيمانهم بأنفسهم وثقتهم بماضيهم ، ورجاءهم في مستقبلهم ، لا من يمرق وجوههم في التراب بسبب تلك المقالات القاصرة ، وما أحوجهم لمن يرد عليهم إيمانهم بهذا الدين الذي يحملون اسمه ، ويجهلون كهنه ، وبالوراثة أكثر مما يتخذونه بالمعرفة .

الكثير من يتصور السلفية بأنها ليست حزباً ، ولكنها منهج دين وحياة ، وإنها تنظيم الدنيا بالدين ، ولكن الواقع خلاف ذلك ، فلم نرى التنظيم والترتيب للدين في واقع الحياة ، مما نسمعه من الآراء والنظريات ، وإنما هي عبارة عن شعارات يتغنى بها الكثير ، عن حسن نية وبغير قصد ، لا تلامس واقع الحياة ، بل تزيده تعقيداً ولا تقدم حلولا واقعية لكثير من المشكلات .

إذاً هناك انفصام بين النظرية والتطبيق في الفكر السلفي الموجه، بل يحاول أن يقصي جميع من حوله ليدور في فلك الوحدانية المطلقة في عصر التعدد والتنوع ، والرأي والرأي الآخر .

ان الإنسانية تشقى بتحول الحكم والسلطان والرفاهية والنعيم من فرد إلى آخر من جنسه ، ومن جماعة إلى جماعة أخرى مثلها في الجور والاستبداد ، وحكم الإنسان للإنسان ، وتأتي سنة الله القاهرة التي لا تقف في طريقها أقوى الترسانات والاحتياطات والإمكانات ، سنة التغيير ، يقول تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) بل إن كثراً من هؤلاء الحكام والسلاطين تحولوا إلى ويل وبلاء ودمار لذلك النوع الإنساني ، فلا بد من منع الفساد والمرض في جسم المجتمع البشري ، الذي يسري منه السم في أعصابه وعروقه ، ويتعدى المرض إلى الجسم السليم ، فكان لا بد من عملية جراحية ، فكان قطع هذا الجسم السقيم وإبعاده من الجسم السليم مظهراً كبيراً لربوبية رب العالمين ورحمته ، ويستوجب الحمد والامتنان من جميع أعضاء الأسرة الإنسانية ، بل من جميع أفراد الكون : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

ولأسف كان انسحاب العلماء والمصلحون من ميدان الحياة ، واتجاههم إلى الخلوات ، فراراً بدينهم من الفتن كما يدعون ، أو رغبة إلى الدعة والهدوء ، وفراراً من تكاليف الحياة وجدها ، أو إخفاقاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة ، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا ، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم ، واكل أموال الناس بالباطل ، فأصبح الدين فريسة العابثين والمتلاعبين ، ولعبة المحرفين والمنافقين ، حتى فقدت روحها وشكلها .

وأصبحت مهود الحضارة والثقافة والحكم والسياسة ، مسرح الفوضى والانحلال والاختلال ، وسوء النظام ، وعسف الحكام ، ولا تحمل للعالم رسالة ولا للأمم دعوة ، وأفلست في معنوياتها ، ونضب معين حياتها ، لا تملك مشروعاً صافياً للحكم من الدين السماوي ، وألا نظاماً ثابتاً من الحكم البشري .

بعض الكلمات منتقاة من كتابات بعض العلماء بتصرف .

0 التعليقات: