Social Icons

05‏/05‏/2011

مـن يـصـنـع مـجـد الـوطـن وعـز الأمـة

مـن يـصـنـع مـجـد الـوطـن وعـز الأمـة

إن استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والعلمي في مجتمعنا رسخ لدى الإسلاميين شعورهم المشروع بمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية في ضرورة مواصلة مساعيهم وتطويرها وتقدمها على أسس الإسلام العادلة ، وفي ظل نهجه القويم ، وإقامة الدولة المدنية المتحضرة .

وتأكيدا لهذا الوضع من ناحية، وتكافؤا مع جسامة المهمة ومقتضيات المرحلة من ناحية أخرى، فإنه يتعين على الإسلاميين بمختلف توجهاتهم دخول طور جديد من العمل والتنظيم يسمح لهم بتجميع الطاقات وتوعيتها وتربيتها وتوظيفها في خدمة قضايا شعبنا وأمتنا. ولا بد لهذا العمل أن يكون ضمن حركة مبلورة الأهداف ، مضبوطة الوسائل ذات هياكل واضحة وقيادات ممثلة ، لأن الإسلام يدعو إلى التنظيم وتحديد المسئولية ، ويكره الفوضى والاضطراب في كل شئونه .

ويجب التأكيد على شمولية الإسلام ، وإبراز جانب الدولة في أحكامه وتعاليمه ، وكيفية توجيهها بأحكامه وآدابه ، وإعلان أن ذلك جزء لا يتجزأ من نظام الإسلام الشامل ، الذي امتاز بشموله للزمان والمكان والإنسان ، لان طبيعة الإسلام دين عام ، وشريعة شاملة ، ولا بد أن تتغلغل في كافة نواحي الحياة ، وعندها نستطيع التوفيق بين الرقي الحضاري ، والسمو الأخلاقي ، والمبادئ الخالدة .

إننا لا نريد الإسلام الروحي أو الإسلام الكهنوتي الذي يكتفي بتلاوة القرآن على الأموات ، لا على الأحياء ، أو افتتاح الحفلات بقراءة ما تيسر منه ، ثم ندع قيصر يحكم بما يشاء ، ويفعل ما يريد !

اذا كان الإسلام شيئاً غير السياسة وغير الاجتماع ، وغير الاقتصاد ، وغير الثقافة ، فما هو إذن ؟ أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر ، أو هذه الألفاظ التي تقول رابعة العدوية :استغفار يحتاج إلى استغفار .

إننا نطمح إلى تلك الدولة التي هي ليست دولة دينية أو ثيوقراطية تتحكم في رقاب الناس وضمائرهم باسم الحق الإلهي ، ولكن هناك ركائز تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة :

1 – الخلق والإيمان .

أول شرط قام به نبينا محمد صلى لله عليه وسلم ليؤسس المجتمع المثالي والدولة الحديثة الإيمان بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، ومن ثم غرس القيم التي يجب أن يتصف بها ذلك المجتمع المثالي العظيم ، فكان أولها الخلق ، قال عليه الصلاة والسلام : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، لأنه لا يمكن أن يبنى مجتمع مدني يتطلع لنشر الحضارة إلا بسموا أخلاقه وكريم فضائله ، ومن تلك الأخلاق سيادة العدل ، وتحريم الظلم ، فلا يليق بمجتمع يريد أن يصل إلى التقدم والرقي وهو يمارس الظلم ، ولا يقوم بالعدل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)، وكان يهدف عليه الصلاة والسلام من خلال وضع تلك الصفات الجاهلية إلى غرس القيم للمجتمع الجديد ، وان تكون من خصائصه وأركانه التي لا ينفك عنها ، وان يبنى مجتمع متماسك يسعى الغني فيه لانتشال الفقير لا لهضمه واضطهاده ، وقتل إنسانيته وعزته وكرامته .

1– العلم والتقنية .

من المعروف أن عمليات التحديث والنمو الاقتصادي والاجتماعي تحتاج إلى أن يأخذ العلم والتقنية دورهما في أي مجتمع يرنو إلى التقدم والازدهار، ولا يمكن أن تقوم نهضة حقيقة في مجتمع ما إلا بالعلم الذي يوصل إلى التقنية الحديثة ، والتنمية الشاملة في جميع مجالات الحياة المختلفة .

فالعلم ضروري لأي حضارة أو نهضة – وقد أدت الحضارة الإسلامية بفتوحاتها العلمية إلى الازدهار الذي بلغته الإنسانية، وأول آية نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ، وتدل دلالة على وجوب العلم وضرورته للإنسانية لما فيه من صلاح حال الدنيا والدين معاً .

3 – القوة والاستقلال .

لا يمكن أن تكون أمة ذات حضارة وعز ، وهي أمة ضعيفة (إلى من تكلني) ، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف بعد أن رجم وأوذي ، لا هو قادر أن يدخل مكة ، ولا هو يستطيع الرجوع إلى الطائف ، فكان حريص عليه الصلاة والسلام على تأسيس ذلك الوطن الذي يعطيه القوة والمهابة ، ويمنحه العزة والمجد .

ان هذه الدنيا لا يقوم بصناعتها إلا من يقوم بها من جميع جوانبها ، لذلك أهم ركيزة من ركائز الدولة الحديثة امتلاك مصادر القوة ، العلم ، الاقتصاد ، الأخلاق ، اذا فمن يصنع هذا المجد ويعيد العز للأمة ؟ لا يستطيع أن يصنع مجد الوطن ، ويعيده للأمة إلا من توفرت فيه عدة شروط منها : -

1 – أن يكون صاحب رؤية واضحة ، وطموح للمستقبل المشرق ، والذي يستطيع أن يتصور الأمة وهي عزيزة ، وأن يرى رؤية بعيدة ومستقبلية لما يريد أن يصل إليه ، و العمل بعلانية ، كما يجب أن يكون واضح مع نفسه ، ومع غيره ، وان يكون على قدر المسئولية .

2 – التخصص ، فالتخصص هو الذي يعطي التنوع في الحياة ، والتكامل في الأدوار ، ومن ثم يركز كل فرد على تخصصه ، عندها يستطيع الجميع أن يبدع كل في مجاله ، ليساهموا في التنمية والبناء ونهضة الأمة .

3 – الجدية ، فلا يصنع المجد ولا يبني الدولة الشباب المستهتر أو المتسكع في الأسواق والطرقات ، أو البعيد عن واقع الحياة ، إننا نجد عظماء التاريخ وصانعي المجد ، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالبذل والعطاء والجد والتعب وسهر ألليال لخدمة وطنهم وأمتهم .

4 – العمل المؤسسي ، لقد انتهى زمن الفرد الذي يصنع المجد ، ويبني الأمة ، بل هو بالعكس السيف المسلط على رقاب الناس ، ومحطم مجد الأمة ، فلا بد أن نبذل الجهود لبناء مؤسسات لا إبراز أفراد ، وإنما بناء الفرد بناءاً مؤسسياً .

لذا يجب علينا أن نركز على فئات معينة التي من خلالها نعيد للوطن عزه وللأمة مجدها وحضارتها :

1 – الشباب ، فهم أمل الأمة وصناع المجد ، فهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا شباب ، لقد اتبعه الشباب ، وتركه الكهول ، فالشباب هم آمل الأمة ومن يملك الحماس للتغيير والبناء ، ومن لديهم الاستعداد للثبات على المبادئ وبذل الروح من اجلها .

2 – النشء والأطفال ، فهم اللبنة الأولى في هذا المشروع العظيم ، فيجب القيام بتنمية النشء والنهوض به ، بدءاً من غرس قيم الحب والفضيلة فيه ، ثم المضي به رويداً رويداً حتى يصير قامة سامقة في بناء مجد الوطن وعز الأمة .

3 – المرأة ، لقد تمتعت المرأة في ظل الإسلام بمكانة مرموقة ، فهي أول من آمن وصدق وضحى بالمال والنفس في سبيل الإسلام ، وقد حظيت باهتمام كبير ، ومكانة عالية ، فقد أبى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن يسجل للأمة الإسلامية وللعالم عبر الأجيال إلى نهاية الحياة مكانة المرأة التي تحتلّها في رسالته ودعوته إلى الحق والهداية ، ولذا أوصى بها خيراً : ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) وهن شقائق الرجال ، ونصف المجتمع, فإذا أهُملت سار النصف الآخر يعرج على قدم وساق ، فكان لها الأثر الكبير في تقدم الأمة وازدهارهاعلى مر التاريخ الإسلامي .

4 – الموهبون ، تقول كل الدراسات أن صانعي نهضة الأمة هم الأذكياء ، فلا بد من إنشاء مراكز ، أو مدارس للموهبين ، وليس للأوائل فقط ، حتى نستطيع أن نخرج قادة المستقبل ، وصناع المجد ، وأن نزرع فيهم بل ونرسخ قيم ومفاهيم هي أساس في بنائهم منها :

1 – الهوية العربية الإسلامية ، ان الشعور بهذا الانتماء هو الدافع لاستعادة مجد الأمة الضائع، لا من يتسكع وراء الغرب في كل ناعق ، نعم نؤخذ من تنظيمهم ومن علمهم ، وإمكانياتهم، ولكن نعتز بهويتنا وحضارتنا .

2 – المنهجية ، فلا تكفي المواعظ والمحاضرات ، لا بد من منهجية واضحة تبني عليها الجيل الصاعد ، والفرد المسلم وذلك من خلال خطوات متسلسلة ومركزة لنستطيع إنتاج ذلك الجيل المتعدد المواهب ، المتكامل الأدوار ، المتسلح بالعلم والمعرفة ، التواق لبناء وطنه وأمته .

3 – التركيز على التعليم والإعلام ، يعد التعليم والإعلام من أهم الوسائل في القديم والحديث في صناعة المجتمعات ، ونحاول أن نتذكر ان 60 في المائة من ميزانية تونس قبل الثورة كانت تصرف على التعليم ، ولذا كانت الشرارة الأولى في التغيير في عصرنا هذا من هناك .

وثانيا الإعلام ، فمن خلال دراسة أجريت على أهم الأشياء التي تزرع القيم سواء أكانت ايجابية أم سلبية ، الإعلام ، البيت ، المدرسة – الأصحاب ، المسجد ، اكُتشف أن الإعلام الدرجة الأولى لزراعة القيم والتأثير في الناس، فلا بد من التعليم من جهة ، والإعلام من جهة ثانية .

وأخيراً ، لا بد من تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ، ومقتضيات الحياة المتطورة ، وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب ، وأن تكون لنا قيادة تعرف ماذا تريد ، وكيف تحرك الشعوب باتجاه هذا الهدف ، وأن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.

فدولة الإسلام لا تقوم على الوراثة التي تحصر الحكم في أسرة واحدة ، أو فرع من أسرة ، يتوارثه الأبناء عن الآباء ، والأحفاد عن الأجداد ، كما يتوارثون العقارات والموال ، وإن كانوا أضل الناس عقولا ، وأفسدهم أخلاق .

** بعض العبارات مختارة من كتابات بعض الكتاب بتصرف .