Social Icons

28‏/04‏/2011

الدولة الإسلامية (مدنية ) لا دينية ولا علمانية .

الكاتب : طارق الكلدي .


لقد عانت الشعوب الغربية أشد المعاناة من الدولة القيصرية التي حكمتهم وتحكمت فيهم بِكَهنتِها خلال العصور الوسطى باسم الدين المقدس ، فزعمت لرأس الدولة بأنه ابن السماء المعصوم بل زعمت ذلك لجميع عمال أجهزتها وادعت بأن قولهم الفصل يمثلون بسلوكهم في الأرض إرادة الرب في السماء !!

وكانت تقوم هذه الدولة الدينية المقدسة! (حسب زعمهم) بحروب طاحنة ضد كل من لم يدين بدينها من الشعوب التي تحكمها بل حتى ضد من لم يلتزم مذهبها الخاص بها داخل الدين الواحد!!

واستطاعت الشعوب الأوروبية طبعاً بعد جهد طويل أن يجعلوها علمانية تعيد الكهنة إلى داخل الكنيسة وتفصل الدين عن الدولة وتمنع الكنيسة من تجاوزها لحدود صلاحياتها ، وعادت الكنيسة إلى حالتها الطبيعية إذ هي رسالة روحية بحتة لا علاقة لها بالسياسة مطلقاً ، وهذا ما صرح به إنجيلها قائلاً : ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله )

إن الدولة الدينية الكهنوتية التي تحّكمت في الغرب فيما مضى باسم الدين المقدس هي السبب الوحيد في اختيار الشعب الأوروبي للبديل العلماني ، وهذان الخياران السياسيان كلاهما لا مكان لهما في المجتمع المسلم الذي تقوم دولته الإسلامية على العلاقة المرنة المتزنة بين الدين والدولة وذلك لأن نصوص رسالته في هذا الشأن نصوص غايات ومقاصد تتغير في النظام والآليات بحسب تطور الزمان والمكان والشعوب ، وهذا ما يجعلها صالحة لكل عصر ومصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وأمّا رأس الدولة الإسلامية وعمال جميع أجهزتها فهم بشر يصيبون ويخطئون تختارهم الشعوب وتراقبهم وتشترط عليهم ، ومن حقها أن تعزلهم إذا وجد فيهم ما يمنع بقاءهم ويتعارض مع مهامهم ويوجب العزل ، والنصوص الشرعية في هذا الشأن كثيرة غير خافية بل أكدها بالقول الخليفة الأول في الدولة الإسلامية في أول خطبة له بعد مبايعته بالخلافة حيث قال : لقد وليت عليكم ولست بأفضلكم ... فإن أخطأت فقوموني ) ومثل هذا التأكيد صح عن بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

وإذا كانت الدولة الدينية في الغرب النصراني قد أكرهت شعوبها على التدين بدينها بقوة الحديد والنار فإن الدولة الإسلامية قد منحت طوال حكمها المخالفين لها في الدين حرية البقاء على دينهم إن هم أرادوا ذلك سواء كانوا أهل كتاب سماوي محرف ، أو أهل دين وضعي أرضي كالمجوس ونحوهم ما داموا في إطار حكم الدولة الإسلامية من الناحية السياسة ، وقد عاشوا مواطنين في الدولة الإسلامية بكل حرية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم حسب ما يقره الإسلام .

ولهذا نقول بأن الدولة الدينية هي الدولة التي جميع أركانها دين مقدس وهذه الدولة ليس لها وجود في المنهج الإسلامي بل أن اجتثاثها والإتيان عليها من أساسها جزء لا يتجزأ من مهام رسالة الإسلام الخاتمة.

وإن كانت العلمانية في الغرب النصراني طبيعية لكون رسالتهم روحية لا هم لها سوى تزكية النفس فقط فإنها -العلمانية -تتعارض مع ثقافة الشرق الإسلامي الذي نطقت نصوص رسالته السماوية المتواترة بما ينافي ذلك ويضاده إذ هي رسالة شاملة لكل نواحي الحياة بدون استثناء وهذا قضية محسومة ومعلومة من الدين بالضرورة ، ولا يسعنا كمسلمين مناقشتها أبداً إلا إذا جوّزنا لأنفسنا مناقشة الإسلام ذاته.

فالدولة الإسلامية هي الدولة التي تعترف بالإسلام عقيدة وشريعة وتمارس ذلك عملياً فان هي تنكرت للإسلام عند الممارسة والتطبيق وإن اعترفت به من ناحية نظرية كما هو حاصل في دول العالم الإسلامي هذه الأزمان فلا تكون إسلامية أبداً ويعد اعترافها بالإسلام مجرد إدعاء فقط .

وإذا كان وصف الإسلام لا يُرفَع عن الدولة الإسلامية حتى في ضل حكم الدكتاتور الظالم فانه يتوجب علينا أن نقيدها -الدولة الإسلامية -بالمدنية- وهذا مقتضى جهاد الظالمين إذ الدولة المدنية هي دولة العدالة والنظام والقانون وليس لها خلفية أيدلوجية معينة وهذا القيد ( المدنية ) مهم جداً نحتاج له في التخلص من الدكتاتور المسلم كما احتاج له الغرب ليتخلصوا به من الدكتاتور اللاديني ( العلماني ) .