Social Icons

15‏/11‏/2011

السلفيون والديمقراطية الخلاف الحاد والرؤية الواحدة .

الكاتب / طارق الكلدي

إذا تجاوزنا الحركات الإسلامية التي تطرح برامج سياسية متطرفة وتريد أن تفرض الشريعة بالقوة حيث وأن هذه الحركات قد أصبحت مرفوضة عند الإسلاميين عامة والسلفيين منهم على وجه التحديد ومثلها الجماعات الإسلامية مجهولة الهوية ! ممن لا رؤية لهم سوى التعبير عن مواقفهم الرافضة لكل البرامج المطروحة ، فإذا تجاوزنا هؤلاء فإننا نجد أنفسنا أمام الغالبية العظمى من الإسلاميين بمن فيهم رموز التيار السلفي كل هؤلاء يتفقون على جواز جعل السلطة بيد الشعب وعلى جواز المشاركة السياسية في ضل وجود حكومات غير إسلامية وترك وسائل العنف في الفلسفة التغييرية واستبدالها بالوسائل السلمية حسب ما هو موجود في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة من الانتخابات والاستفتاء العام وترجيح حكم الأغلبية والتعددية السياسية ، وحق الأقلية في المعارضة ، وحرية الإعلام ، واستقلال القضاء وغيرها من الآليات التي تدار من خلالها الخلافات والصراعات بين الرؤى المتباينة ، ويؤكد هذا التيار على شرعية تلك الأمور إذا انضبطت بالضوابط الشرعية ، وأنت لو نظرت إلى العالم الديمقراطي كله لرأيته يكيف الديمقراطية بما يتوافق مع دينه وثقافته فالصليب على علم بريطانيا والسويد واليونان وهو شعار يؤكد مسيحية تلك الدول ولو رجعت إلى الدستور الأسباني في المادة السابعة لوجدته ينص على وجوب أن يكون رئيس تلك الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية ومثله القانون الإنجليزي ينص في مادته الثالثة من قانون التسوية على أن كل شخص يتولى الملك يجب أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانيين بأن يكونوا أعضاء في المجلس اللوردات كذلك الدستور الدنمركي ينص الدستور في المادة الأولى على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجليزية اللوثرية وأن الكنيسة الإنجليزية اللوثرية هي الكنيسة الأم المعترف بها في الدنمارك وينص الدستور السويدي في المادة الرابعة على وجوب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجليزي الخالص كما ينص على نفس هذا الشرط بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني فهذه أمور لا تتعارض مع ديمقراطية تلك الدول ولا يوجد ما يمنعنا نحن من تكييف نظم وآليات الديمقراطية وأن نضع الشروط التي تناسبنا كمسلمين ،وبهذا يُحصر اعتراض السلفيين على الديمقراطية في زاوية ضيقة سنناقشها بعد التنبيه على أمرين مهمين نضعهما في الاعتبار ونحن نقرأ هذا الموضوع :


الأول : إن الدول العربية تمر بمرحلة انتقالية خطيرة ومعقدة أشد التعقيد وقد تستمر هكذا عشرات السنين فإن لم نتكاتف جميعاً للحفاظ على كل مكوناتها ونلتزم المصداقية في العمل المشترك ، والتسوية السياسية المنضبطة فإن الوطن العربي سينجر نحو المزيد من التفكك والانهيار .

ثانياً : إن جميع الإشكاليات التي يتوقعها السلفيون من نتائج الديمقراطية إن هم قبلوا بها لا يمكن أن تحصل مطلقاً بل هي أشبه ما تكون بالفرضيات الخرافية ودليل الواقع يثبت عكس هذه التوقعات تماماً .

لقد ذكرت آنفاً أن التيار السلفي العام لا اعتراض عنده على الديمقراطية كآلة ومضمون والآن نناقش اعتراضه عليها كمفرد أو مصطلح له أبعاده العقدية – كما يقولون- إذ الديمقراطية تعني حكم الشعب الذي يقابله في الإسلام حكم الله وهو كفرُ بإجماع المسلمين وهذا لا خلاف عليه إذا كانت المعادلة بهذا الشكل ولكن لا يسلَّم لهم بذلك فحكم الشعب في الفكرة الديمقراطية لا يقابل بحكم الله بل يقابل بحكم الفرد ( الديكتاتورية ) وبمعنى آخر : من هو أداة التنفيذ للحكم والتشريع الفرد أم الشعب ؟

أما بماذا يحكم ويشرع فهذه مسألة أخرى تعود إلى الخلفية الأيدلوجية لهذا الشعب أو ذاك والمطلوب دائماً المعاملة بحذر مع المفردات التي قد تُحدث تشويشاً بسبب تعدد ما يقابلها وهذا شأن الكثير من المتشابهات والمتقابلات وإن كان الأولى بنا استعمال المصطلحات المحكمة حتى يزول اللبس وينتهي السجال ولكننا أمام ثقافة واقع موجود نتعامل معه كما هو ولا بد .

وفي اعتقادي أن مقابلة حكم الشعب ( الديمقراطية ) بحكم الله في نظر هذا التيار وغيرهم ممن يوافقونهم الرأي في ذلك له سببان اثنان .

السبب الأول : إنهم تناولوا مفردة الديمقراطية وخلطوها بأفكار أخرى مثل الليبرالية والعلمانية وغيرها من المفاهيم التي تحتوي على أيدلوجيات معينة وهذا غير صحيح إذ النظام الديمقراطي لا يوجد فيه ما يمنع من تطبيق الشريعة إذا كان ذلك بموافقة الأغلبية الشعبية وإنما الممنوع هو أن يفرض ذلك على الناس قسراً بقوة الحديد والنار وهذا ما يأباه السلفيون أنفسهم فأسلمة الشعب عندهم مقدمة على تطبيق الشريعة ، لأن الإسلام لم ينزل ليحكم شعوباً منافقة ، بل الحكم عبادة والعبادة لا تقبل إلا بالاستسلام المطلق قال الله تعالى : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله )، وقوله : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدون في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) .

السبب الثاني : لكونهم خلطوا بين ( حكم الله ) و ( الحكم بما أنزل الله ) وهذا الخلط من الأسباب التي أوقعتهم في تلك المعادلة وقد سبقهم إلى مثل هذا الخوارج حينما كفروا الإمام علي بن أبي طالب وقالوا : أحكمت الرجال والله يقول ( إن الحكم إلا لله ) ، فحكم الله : هو النصوص الشرعية المعصومة وهي موجودة بالقوة ومفروضة علينا من حيث هي ، بخلاف الحكم بما أنزل الله : فهو الواقع البشري لترجمة حكم الله وهو معرض للقصور والخطأ وقد يواجه بالرفض في أوقات كثيرة فهو نتاج إنساني لا يوجد إلا إذا توفرت أسبابه وتهيأت ظروفه ورُحب به على أرض الواقع ، والفكرة الديمقراطية لم تتعرض لحكم الله بشيء أبداً لم تفرضه كما أنها لم تلغه كذلك لأنها مجرد آلة ونظام فقط وأما الحكم بما أنزل الله فقد أزالت – الديمقراطية من أمامه عقبات كثيرة وربما تكون هي أخصر الطرق لوجوده

*كل ما في الديمقراطية أنها رفضت العنف واستبدلته بوسائل التغيير السلمية وجعلت هذا بمثابة عهود ومواثيق يوقع عليها جميع الفرقاء سياسياً ولا يوجد في الشريعة ما يمنعنا من الالتزام بذلك ما دمنا نؤمن بأن الجهاد وسيلة لا غاية وفي نفس الوقت نرى الانتخابات جائزة وهل من المعقول أن نرفض نحن – السلفيين - ترك القتال الذي اتفق كل المتخاصمين سياسياً على تركه في وقت كل وسائل الثروة والثورة بيد خصومنا ونرفض وحدنا استبداله بالوسائل السلمية – الانتخابات – التي تحسمها أصوات الشعب والتي لا يحصدها يوم الفرز إلا نحن !!

هنا قد يعترض البعض : وهل يجوز لنا أن نوقع على ذلك ونلتزم للخصم أن نسلم له إذا كانت النتيجة لصالحه ؟

ولهذا السائل نقول : ما الفرق بين أن نقر مبدأ العنف ونوقع مع الخصم على أنه إن غلبنا بحد سيفه سلمنا له إن هو تركنا على قيد الحياة وبين التزامنا بالتسليم له إن غلبنا بقوة الكم ؟ ففي الحالين نحن ضعيف ! والقضية تعود إلى مدى اقتناعنا بترك القوة القتالية واستبدالها بالقوة الكمية فقط .

وفي حال سلمنا له فإننا سنتحول إلى خانة المعارضة وهي تعني تمام رفضنا لمشروعه ونستمر في مشروعنا إلى الحصول على نصاب يسمح لنا بتغيير دستور إسلامي كامل وفي حال وصولنا إلى الحكم بنصاب لا يسمح لنا بذلك فإننا سنحكم بالموجود ونكون معذورين بضعفنا حالنا كحال النجاشي رضي الله عنه ، وسنصلح في حدود الصلاحيات المتاحة لنا في الدستور الموجود و( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .

بقي سؤال هو الأهم في هذا الموضع : وماذا لو طالبت الأقلية بتنحية الشريعة في حال وصول التيار الإسلامي إلى الحكم بنصاب يسمح له بتغيير الدستور ألا تمنحهم الديمقراطية هذا الحق ؟

لا يوجد في الديمقراطية حرية مطلقة ، فالحريات مربوطة دائماً بالدستور فإذا كان قرار الأمة عبر دستورها ينص على عدم جواز قيام أحزاب علمانية وغيرها ، فلا يمكن أن يصادر أحدٌ قرار الأمة ويكون بذلك قيام هكذا أحزاب محظوراً وفق الدستور بل حتى في الغرب الذي يعطي مجالاً واسعاً للحرية يوجد هناك حضرٌ على المطالبة ببعض التشريعات كالمطالبة بتأسيس حزب شيوعي في أمريكا وكالمطالبة بعودة الحزب النازي في ألمانيا ... وهذا المنع منصوص عليه في الدستور ( بقرار شعب ) وليس مفروضاً عليهم بالقسر والقوة .

ولنفترض أن المعادلة كانت علينا وصار قرار الأمة عبر دستورها ينص على عدم قيام أحزاب على أساس إسلامي وهذا معناه أن الأمة في مجموعها قد اتخذت موقفاً عدائياً من الإسلام نفسه ، وهل يتصور هذا في خير أمة أخرجت للناس ؟!

ومن باب المساجلة الجدلية نقول : إن الحركات الإسلامية لديها كامل الاستعداد والمرونة للتكيف مع المستجدات مهما كانت مطمئنة إلى شرعية مشروعهم وقدرته على التوسع والانسياب بشكل مذهل وسنعمل جاهدين بصورة فردية إن كانت تشريعات الدستور العلماني تسمح بذلك أو بأي طريقاً آخر لتكوين قاعدة شعبية مقتنعة بالحل الإسلامي نحدث من خلالها ثورة سلمية ، ولن نتخلى عن الميثاق الذي وقعنا عليه مع خصومنا من الالتزام بالخيارات السلمية مهما كانت النتائج ، ونرى الوفاء بذلك واجباً شرعياً لا مجرد واجب سياسي كما هو شأن الأحزاب الدنيوية الصرفة .

وأخيراً : ألا تتفقون معي – معاشر السلفيين – على أن مواقعكم في حال مشاركتكم في اللعبة الديمقراطية مُنسجمة مع الأصول الإسلامية وأن مواقفكم الشرعية من الآخر لا تتغير بمجرد المشاركة بل هي هي وربما تكون أشد من مواقف المحرمين للديمقراطية وإنما اختلاط المفاهيم هو الذي يقرر الكثير من المواقف الفكرية ويجرنا إلى خلافات عقدية حادة ! في وقت تكون حقيقة الآراء عند التمحيص واحدة .

11‏/10‏/2011

كــاد الـمـســــيء أن يـقــول خـذونـــي


الوحدة حلم لطالما تغنى به الشعب الجنوبي وقادته لعقود خلت قبل تحققه .

الأطفال في مدارسهم ، والشباب في جامعاتهم ، والجنود في ثكناتهم ، والمسئولون في اجتماعاتهم واحتفالاتهم ، حتى المغترب خارج وطنه كان له نصيب من ذلك الحلم الجميل .

الوحدة حلم حوله الشيخ العراف من حلم جميل لآمال وتطلعات شعب بأكمله ، إلى كابوس مرعب لامس آلمه القلوب قبل الأبدان والأرض .

الوحدة قتيلة الظلم والطغيان وحكم الأسرة والتطرف الديني الجهوي ، الذي لا يؤمن إلا برأيه ومعتقده ، وينكر أحقيه الرأي والرأي الآخر ، بل ويحوله إلى فرع لا حول له ولا قوة إلا إتباع أصله ، وكان الوحدة قصد بها عائلة أو قبيلة أو شيخ أو حاكم عسكري تنسب إليه ، وبدونه تصبح خارج الشرعية ، ويجوز قتلك واستباحت دمك وحريتك وكرامتك وأرضك وتاريخك وهويتك ، حتى البحار لم تسلم من ظلم تجار الحروب والمرتزقة وتجار البشر ، وعباد الدرهم والدينار .

قتلوكِ فلا للحياة مجيب ، ظلموكِ وشيمتهم الظلم .

هجروا اهلكِ ومن أكرموكِ ، واستبدلوا من شياطين الأنس رمزا

هل صحيح أن الشعب الجنوبي توحد مع امة ظلم ، أم أن الظلم والطغيان سجية المتعاقدين في ارض صنعاء .

عن أي وحده تتكلمون قالها الدكتور عيدروس النقيب وقد عاش في صنعاء لسنوات ، ولماذا يخاف الكثير من ذكر الجنوب ، هل الخوف من الجرائم التي استهدفت الجنوب أرضه وثروته وحضارته وإنسانه ، فلا يراد لها أن تذكر حتى لا تطال يد العدالة مرتكبيها ؟، أم الخوف من اتضاح الحقيقة لإخواننا في الشمال ، لغيابها فترة طويلة من الزمن بأساليب المكر والخديعة ، وتشويه الجنوب والجنوبيين بالكذب والزور والبهتان ؟، أم الخوف من المستقبل المنشود الذي قدّم أبناء الجنوب من اجله التضحيات الكثيرة من عام 2007م حتى هذه الساعة ؟، وتحرير الأرض من غنيمة إلى ارض ذات سيادة وريادة وتاريخ وحضارة .

لماذا الخوف والارتباك على كثير من أنصار الثورة الشبابية عندما يُهاجَمون من قبل بقايا النظام واتهامهم بالاشتراك في تدمير وقتل ونهب الجنوب وتحويله إلى غنائم حرب ؟

أسئلة كثيرة تطرح والجريمة وقعت ، والحقيقة غُيبت عقود من الزمان ، من كلا الطرفين المتصارعين في صنعاء حالياً ، ولكن من ارتكب الجريمة ؟!.

لا نقول الشعب الشمالي بأكمله لأنهم إخوة لنا ، ومهما اختلفنا فهم أشقائنا ، ولكن هل ستكون هناك وقفة جادة من قبل الأشقاء في الشمال لفضح المرتزقة وتجار الحروب ومشرعي القتل الرخيص ، هل سيقولون للمجرم أنت مجرم ، وان كان من يقودهم ؟

التوبة تجب ما قبلها ما بين الخالق وعبده ، ولكن الحقوق لا تسقط بالتقادم ، ولا تجبها التوبة ، وليس هناك من خوله الشعب الجنوبي بالعفو والصفح عما ارتُكب ضده من الجرائم قبل وبعد حرب 94م الإجرامية .

الأيام تدور والدنيا دول ، ويوم لك ويوم عليك ، والمظلوم منصور من فوق سبع سموات ، وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين .

وهذا لن يزيدنا إلا إصراراً وثباتاً بالمطالبة باسترداد الجنوب واستغلاله .

05‏/10‏/2011

ثـــورة حـــرية واســتـقـلال .


انطلقت ثورة الشباب في شمال اليمن من المحافظات الوسطى ( من تعز ) ومن ثم أُجبرت صنعاء على الالتحاق بركب الثورة حتى لا تكون نشازاً أمام المحافظات الثائرة المنادية باستعادة الحرية والكرامة المسلوبة منذ عقود .

كان وما زال ثوار المناطق الوسطى هم المحرك لعجلة الثورة في الشمال ، لاعتقادهم إن هذه هي اللحظة التاريخية لنيل حريتهم وكرامتهم المسلوبة منذ عقود ، لتسلط حكام اليمن الأعلى على حكم البلاد ، وتقلد اقلب المناصب السيادية الهامة التي تدير وتوجه الدولة ، إضافة إلى ذلك اعتقادهم بأحقية حكم اليمن وأنهم هو الأسياد ، وما سواهم فتابع أو فرع .

ولهذا كانت تضحيات أبناء تلك المناطق كبيرة جدا وصلت لإحراق الكثيرين منهم في محارق جماعية في مدينة تعز ، وقتل العشرات في صنعاء ، وعشرات من الضحايا في صفوف الجيش المؤيد للثورة حسب زعمهم .

أما ثورة الشعب الجنوبي فمنذ انطلاقها في بداية عام 2007م ، وتوسعها وامتدادها ، وتوحد أبنائها قاطبة في الداخل والخارج ولانخراطهم في حراكها السلمي الثائر ، كان شعارها حرية واستقلال ، وليس حرية وكرامة فقط .

ان الفارق كبير بين الثورتين في الشمال والجنوب ، والكل يسعى لتخليص بلده من الحكم الأسري الطاغي الذي عاث في الأرض فساداً منذ عقود ، ولكن هذه الثورات لم تسلم من المؤامرات من الداخل والخارج ، ولم يسلم أنصارها من التشويه ، والرمي بأقبح الأوصاف ، بل والكذب عليهم تارة بقتل المتظاهرين ، وتارة بقطع الألسن ، وتارة بارتكابهم الفاحشة في الساحات من خلال الاختلاط كما يصفون ، وتارة بأنهم عملاء ، وتارة بأنهم خارجين على الشرعية ، وتارة بأنهم بغاة يجوز قتلهم لخروجهم على الحاكم الشرعي الذي حكم بالعدل ، فلم يجد الأمان على نفسه في عقر داره .

فهل مصير هذه الثورات الشعبية العارمة التي تنادي بانتزاع الحقوق ، وليس باستجدائها ، وإسقاط الشرعيات الكاذبة بسيادة الشرعية الثورية ، وإسقاط القوانين والدساتير المزورة، وإعادة صياغتها من جديد لتلبي تطلعات أبنائها الثائرين ، وإبعاد الجيش من أجير مرتزق يدافع عن شخص بقتل شعب ، إلى رمز للسيادة والبطولة والفداء ، وإلى الحرية الكاملة الغير منقوصة ، ومحاكمة القتلة والمتنفذين وتجار الحروب.

هل سيكون مصير هذا الثورة أنصاف الحلول ، والتنازل عن دماء الشهداء الذي قدموا أرواحهم الزكية الطاهرة في سبيل انتزاع الحرية والاستغلال ، اعتقد أن الموافقة على ذلك خيانة عظمى لدماء الشهداء ، وجريمة لا تغتفر .

صحيح إن التضحيات كبيرة من اجل الوصل إلى الهدف المنشود ، ولكن ثمن الحرية كما قيل غالي ، واستعادة الوطن أغلى من كل شيء .

وخلال الأيام الماضية اصدر علماء السلطان فتوى وصفت من قبل شباب الثورة ومن انظم إليهم من أحزاب اللقاء المشترك والجيش بالفتوى الكاذبة الظالمة ، لأنها تستبيح دمائهم دون حق ، وتعطي الشرعية لجيش علي عفاش وأعوانه بقتل أولئك ، وكذلك لا تستند إلى حقيقة شرعية وإنما تستند إلى إرادة الطاغية المستبد الذي يريد الاستئثار بالسلطة له وأولاده وعائلته ، وعدم التنازل بجزء من تلك السلطة للشريك القديم الذي ساهم في صناعة ذلك الطاغية فأصبح اليوم في صف الثوار .

أما نحن كجنوبيين فموقفنا أن هذه الفتوى ظالمه جائرة كاذبة ، هدفها تشريع القتل واستباحة الدماء والأموال والإعراض لهدف شخصي ، وليس لمقصد شرعي ، وان مثل هذه الفتاوى التي ضررها متعدي ، والتي تُشّرع القتل ويروح ضحيتها الكثير من الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب العزل تعتبر جرائم حرب ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ، وعلى مُصدّريها أن يُقَدموا للمحاكمة ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية ، فهذه الانتهاكات ضد الشعوب تحرمها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والقوانين الوضعية ، وليس للشرع الحنيف أي تدخل في ذلك لأنه جاء رحمة لحمايتهم وتحريرهم من العبودية ولم يأتي لتشريع قتلهم أو استعبادهم بأي شكل من الأشكال .

كما نوجه رسالة إلى أولئك المشايخ الذين يطلقون عليهم بالعلماء زوراً وبهتاناً ، نقول لهم اتقوا الله في دماء الأبرياء واعلموا انه سيأتي اليوم الذي يقتص منكم في الدنيا قبل الآخرة ، كما نوجه رسالة لمشايخ الطرف الثاني المنظمين لثورة صنعاء حالياً ، ونقول لهم لقد كنتم يوماً من الأيام تُشّرعون القتل ضد دولة الجنوب في 94م مع من اصدر ضدكم اليوم الفتوى بقتلكم واستباحة دمائكم ، وكان ذلك لتحقيق مكاسب لشخص الطاغية وأعوانه ومرتزقته ، الذي شاركتم في صناعته طيلة الفترة الماضية ، فلقد دار الزمان دورته وعُوقبتم بنفس الكاس ، فنحن اليوم لا نتشفى بما حل بكم ، ولكن هل آن الأوان أن تعترفوا بالخطى ، وتعتذروا لشعب الجنوب وتعلنوا
فوق السحابة فوق رفرف يا علم
فوق الجبال السود في روس القمم
شف ثورة الأحرار تكفلها الشعوب
اليوم شمر ساعدك يا أبن الجنوب
انا موقفي واضح ولي مبدأ ارتسم
ومطلبي دولة باسمي في الأمم
واللي ربي عا الكذب عمره ما يتوب
اليوم شمر ساعدك يا أبن الجنوب
قد كان للوحدة وسط قلبي نغم
لكن حلمي مات وأتبدل ندم
وحدة لنهب الأرض جو من كل صوب
اليوم شمر ساعدك يا أبن الجنوب
أهديناهم وحدة وردونا خدم
وشعبنا تاريخ له منذ القدم
في وجه الاستعمار ما يخشى الحروب
اليوم شمر ساعدك يا أبن الجنوب
ذلك أمان العالم وفي وسائل الإعلام ، وأنكم تتوبون إلى الله من فتواكم التي تسببت بقتل الآلاف من الجنوبيين ، فإذا قلتم أنكم كفّرتم الاشتراكي فما بال الجنود الذي استبحتم دمائهم ودماء الأطفال والنساء ، ولماذا لا تصدرون فتوى تجيز قتل الجنود الذين يحمون النظام في صنعاء ويمكنونه من قتل نسائكم وأطفالكم وشبابكم العزل ، أم أن الكيل بمكيالين طبيعة وسجيه لمشايخ صنعاء .

فإذا لم يقبل منكم شعب الجنوب الاعتذار فإنكم سوف تُقدمون لمحاكمة عادلة لارتكابكم جرائم حرب ضد الإنسانية .

وهذا نص لفتوى الديلمي ضد أبناء الجنوب في حرب 94م يقول : ( إننا نعلم أن البغاة في الحزب الاشتراكي المتمردين هؤلاء لو حصينا عددهم لوجدنا أن إعدادهم بسيطة ومحدودة ولو لم يكن لهم من الأنصار والأعوان ما يقف إلى جانبهم ما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود ... إنهم أعلنوا الردة والإلحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه ولو كان هؤلاء الذين هم رأس الفتنة لم يكن لهم من الأعوان والأنصار ما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على احد ولا أن يعلنوا الفساد ، لكن فعلوا ما فعلوا بأدوات ، وهذه الأدوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين !!! هؤلاء هم الجيش !!! الذي أعطى ولاءه لهذه الفئة ، فأخذ ينفذ كل ما تريد هذه الفئة فيقتل ويشرد وينتهك الإعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الأفاعيل ، فأنهم ( كفار ) .

وصدق عبد الله بن المبارك عندما قال : صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس ، الملوك والعلماء .

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها.

29‏/07‏/2011

ثـورة الـشبـاب بـيـن الإحـبـاط ، والـدوران فـي الحـلـقـة الـمـفـرغـة .


انطلقت ثورة الشباب في اغلب محافظات اليمن ، ولم تكن بداية تلك الثورة في صنعاء باعتبارها العاصمة والمحرك الأول ، ولكن اللقاء المشترك الذي يتخذ من صنعاء مركز لانطلاقه ونفوذه ضل يراوح مكانه حتى أجبرته الثورة الشبابية للانضمام للثورة الشعبية الشبابية الذي تتخذ التصعيد السلمي الميداني خيارها لإسقاط النظام وتغييره ، مقابل خيار المفاوضات والحوار الذي يتخذه اللقاء المشترك كخيار أساسي في التغيير .

وبسبب عدم تحقيق أي تقدم على الصعيد السياسي بالنسبة للقاء المشترك ، ونزول الشباب إلى الميدان الثوري أطر اللقاء المشترك لإنزال قواعده لخوفه من مطالبة ثورة الشباب برحيله مع النظام الفاسد ، لكون كثير من قيادة اللقاء المشترك من الشخصيات التي ساهمت في تدمير اليمن وإفساده ، وبالتالي يعطي لنفسه الشرعية الثورية والسياسية ، وبرز ذلك من خلال المفاوضات الأحادية التي كان يخوضها مع دول الخليج ، والممثل الأمريكي ، والاتحاد الأوروبي ، بمعزل عن شباب الثورة ، بل وتهميش ثورة الشباب وجعل نفسه الممثل الوحيد للثورة والتغيير في اليمن ، مع انه انظم إلى الثورة الشبابية الميدانية متأخراً .

كذلك فعل الحاكم العسكري على محسن الأحمر نفس الأسلوب بانضمامه متأخرا لثورة الشباب ليقوم بعدة أداور منها الاحتماء بالثورة ، لينجوا من المحاسبة القانونية للجرائم التي ارتكبها في الماضي سواء في المحافظات الشمالية ، أو في الجنوب العربي بعد الوحدة وكان هو العنصر الفاعل المخطط والمنفذ لتدمير الجنوب والقضاء على الوحدات العسكرية الحامية للجنوب وأهله ، ليمكن للحاكم السياسي على صالح من بسط نفوذه على الجنوب ، ومن ثم يتم تقاسم التركة حسب ما يحلوا لهم ، الأمر الثاني والاهم وهو التحكم بمسار الثورة والتلاعب بها حسب المصالح والأهواء التي يسعون إليها ، لا ما تريده الثورة الشبابية الشعبية من إقامة الدولة المدنية الحديثة التي لا يسود في ظلها حاكم عسكري ولا قبلي ولا سياسي وإنما الحكم للشعب ، وكذلك نقل الحكم من الحاكم السياسي العسكري الذي فقد مناصريه العسكريين والقبليين والسياسيين والدينيين ، وأصبح التكتل الجديد من هذه الأصناف هو الذي يريد أن يسود ويحكم باسم الثورة الجديدة ، وكما قال المثل علي بن علي ، أو صنعاني وذماري ، وأن لا يخرج الحكم عن اليمن الأعلى ، وبالأصح لا يريدون أن يخرج الحكم عن الشخصيات التي تنتمي إلى مناطق الزيدية لاعتقادهم بان حكم اليمن خاص فيهم ، وان كان القميص الذي يلبسونه يتلون على حسب الأهواء والمصالح ، مرة باسم الجمهورية ، ومرة باسم الشرعية الدستورية ، ومرة باسم الشرعية الثورية الشبابية ، وكأنك يا بو زيد ما غزيت .

كانت ثورة الشباب في اليمن قد حققت كثير من الايجابيات والتطورات ، إلا أنها لم تكون تمتلك الهدف الواضح الموحد ، وبفعل فاعل وبأهداف مرسومة حاولت ساحة الثورة بصنعاء أن تكون هي المهيمن على الثورة الشبابية في كل المحافظات ، بل وأصبحت هي المتحدث الرسمي والوحيد الذي يحدد أسلوب التصعيد والتغيير والحسم في اليمن ، حتى في تسميات يوم الجمعة ، وأصبح ثوار ساحة التغيير بصنعاء هم اليمن وبغية الساحات في دولة ثانية لا تُعطى أي أهمية .

سيطرت صنعاء على ثورة الشباب بل وهيمنة عليها وأصبحت الثورة مختزلة في صنعاء ، وأصبح ثوار صنعاء يعتقدون بملكية الثورة وأنهم أصحاب شهداء الثورة المتمثلة بجمعة الكرامة ، وتناسوا العشرات من الشهداء في جميع محافظات الجمهورية وبالأخص محافظات الجنوبية العربي الذي قدموا العشرات من الشهداء منذ مطلع 2007م ، عندما كانوا يعيشون خارج التغطية في المحيط المتجمد الشمالي .

لم يكن شعار ارحل يوحي بإسقاط النظام من أول وهلة انطلقت فيه الثورة الشبابية في اليمن وبالأخص عند شباب أنصار اللقاء المشترك الذين نزلوا للساحات متأخرين وبأوامر قيادتهم التي ليس لها رؤية واضحة بل تغير رأيها وقرارها في اليوم عدة مرات ، كما اتضح ذلك بموافقتهم على المبادرة الخليجية بتقاسم السلطة مع النظام لا رحيله ، أما الثورة الشعبية في الجنوب العربي أو ما يحلوا للبعض أن يسميها بحراك المحافظات الجنوبية فقد كان الهدف واضح وجلي لأنصارها ، وبرز ذلك من خلال شعار ثورة ثورة يا جنوب، بل عندما حاولت صنعاء أن تهيمن على الثورة في اليمن بشعار أرحل تأثر بعض شباب الجنوب ، بشباب اللقاء المشترك ، لكن سرعان ما اتضحت الحقيقة وانكشف الغبار ، الذي حاول أن يغطي نور الشمس الساطع ، ونهار الحرية المشرق الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، وتذكروا المثل السائد في المحافظات الشمالية الذي يقول ( من ضحك عليك مرة لا رحمه ، ومن ضحك عليك مرات لا حرمك )، أي لا رحم من ينجر وراء من يخدعه باستمرار ، بل وتوصل اقلب الشباب إلى قناعة ثابتة بأنهم لا يمكن أن يجنوا من صنعاء العنب حتى أيام ما كانوا أصحاب دولة وسيادة ، فما بال اليوم وهم خدام لصاحب العنب .

ستظل ثورة صنعاء تدور في حلقة مفرغه ، وان بذلت الجهود المختلفة وذلك لفقدانها الهدف الحقيقي للسير في الخط المستقيم الذي يوصل إلى الهدف المنشود .

وما دام قادة ثوار صنعاء هم أنفسهم أقطاب نظام الحكم السابق الذي ساهم في تدمير اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص ، فلا اعتقد أن تلك الثورة ستنتصر على قوى الشر المختلفة والمتربصة بالثورة من الداخل والخارج ، لتقيم الدولة المدنية العادلة .

وستظل صنعاء هي المهيمن دائما على كل شيء مهما تغيرت الأمور ، فهل آن الأوان أن تسقط هذه الزعامة الهزيلة التي لم يجني منها اليمن السعيد قديما وحديثا إلا الخزي والعار والدمار والخراب ؟

03‏/07‏/2011

القيادة الجنوبية وأبعاد المرحلة السياسية

القيادة الجنوبية وأبعاد المرحلة السياسية

منذ بداية الوحدة اليمنية في مطلع عام 90م وخاصة على الصعيد العملي ، لا على الصعيد النظري للوحدة اليمنية أنصدم الشعب الجنوبي قيادة وشعباً ، بالممارسات العملية التي وجدوها بانفتاحهم على المناطق الشمالية ، سواءً أكان ذلك في معسكرات الجيش والوحدات الاندماجية المشتركة ، أو في المؤسسات الحكومية والوزارية ، حتى على مستوى رئاسة الجمهورية أصبح النقاش حول قضايا البلد والدولة في مقايل القات ، بينما كان في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في المقرات الحكومية ، وفي إطار الدوام الرسمي ، والبرتوكولات الخاصة ، وأما على الصعيد الشعبي ، فلقد توافد المواطنون من المحافظات الشمالية وبخاصة بعد عودتهم من الخليج بسبب الحرب بإعداد كبيرة ، ونظراً لكثافتهم السكانية وقلة الفرص العملية في المناطق الشمالية تم اندفاعهم في مختلف المحافظات الجنوبية ، وانخراطهم في مختلف المهن العملية ، ومن خلال المعايشة اليومية والمبادلة التجارية والعملية ، بدا الشعب يكتشف عمق تلك المشكلة.

أما على مستوى الدولة فقد تجذرت المشكلة بالدرجة الرئيسية الأولى بتركيز الإعلام المختلف على أمور مهمة وخاصة أن الجنوب اشتراكي وبأنه لا يؤمن بالدين الإسلامي ، بل ويحاربه ، ويستطيع أن يحول الشمال الإسلامي إلى نفس التركيبة الاشتراكية ، وانه الخطر القادم على اليمن لا محالة، فإذا لم يُقتلع فانه سوف يؤثر في البلاد والعباد ، وانعكس ذلك عند المواطنين عندما أصبحوا يرددون نفس الأفكار والعبارات ، بل أصبح التعامل مع الجنوبيين بمنطلق الحذر واخذ الحيطة ، بينما أبناء المناطق الجنوبية يندمجون في التعامل مع إخوانهم من أبناء المناطق الشمالية بكل حب وتقدير واحترام ، بل أصبح التأثير الإعلامي واستغلال العاطفة الدينية هي المسيطر على الكثيرين ، ولوحظ ذلك عند كثير من أبناء الجنوب الذين أصبحوا ضد إخوانهم في المحافظات الجنوبية بحجة أنهم كفار واشتراكيين ، ولا بد من تطهير اليمن من ذلك المرض الخبيث ، ولم يعرفوا أن الأمر اكبر من ذلك بكثير .

استمرت هذه المعركة الإعلامية التشويهية يروج لها الكثير من الكتاب والمفكرين وعلماء الدين ، بل وأصبحت الفتاوى الجانبية في كثير من مراكز التعليم الديني تكرس تلك الفكرة وبقوة ، واستغلت الحكومة بمثلة بزعيمها الرمز القائد وصانع الوحدة وكثير من الزعامات القبلية والعسكرية والدينية النافذة تلك الأفكار ، بل وأصبحوا يدفعونها بكل ما أوتوا من قوة .

بل أنهم استطاعوا أن يديروا اللعبة باحترافية ، بينما قيادات الجنوب يعيشون في ظل الرومانسية والفلل والشقق الفارهة ، والأموال التي أُعطيت لهم في صنعاء ، ولم يعرفوا ان تلك الأموال قد دُفعت ديةً لأجسادهم مقدماً ، ولم تتنبه القيادة العسكرية الجنوبية للضوء الأخضر الذي أُعطي لقادة الوحدات العسكرية الجنوبية من قبل السلطة الحاكمة لتفكيك المعسكرات والوحدات العسكرية وخلخلتها من الداخل حتى يتسنى الانقضاض عليها وتدميرها حين توفر الفرصة السانحة ، لان تلك الوحدات العسكرية هي العائق دون تحقيق المكاسب السياسية ، والحامية لشعب الجنوب وتاريخه وهويته ، والواقف في وجه المشروع الإستيلائي على اليمن برمته ، بل والأكبر من ذلك خروج الجنوب من المعادلة السياسية بتقسيم اليمن إلى دوائر انتخابية على حسب الكثافة السكانية ، ومعروف سلفا أن المناطق الشمالية هي الأكثر سكانا أضعاف أضعاف المناطق الجنوبية الكبيرة المساحة الغنية بالثروة القليلة السكان ، ولم يؤخذ بعين الاعتبار الثروة والمساحة والتخلي عن العلم والعاصمة والدولة والعملة الذي قدمتها دولة الجنوب ، عندها نجحت القسمة الجديدة وحصول المناطق الشمالية على 245مقعدا في مجلس النواب الذي من خلاله يتم المشاركة في الحكومة واقتسام السلطة ، بينما المناطق الجنوبية لم تحصل إلا على 56 مقعدا فقط من أصل 301 مقعدا ، وهذه النسبة لا تأهلهم بفوزهم بأغلبية تلك المقاعد أن يكونوا شركاء في الحكم والسلطة ، وعندها خرجت القيادة الجنوبية من المعادلة السياسية عمليا ، وان كانت ما تزال ممثلة بالاسم فقط لامتلاكهم بعض الوحدات العسكرية التي كانت تثير عند الحكومة الرعب والخوف ، وفي الطرف المقابل نجد الفريق أذي أصبح الأقوى سياسياً يتحين الفرصة للاستيلاء على الحكم ، والقضاء على الوحدات العسكرية الجنوبية، والاستئثار بالحكم لصالح طرف محدود من أبناء المناطق الشمالية .

بدأ النظام يمارس التصفية بالقتل لقيادة الجنوب المهمة من وجهة نظرهم ، حتى أوغل في القتل لمجموعة كبيرة ، كان الهدف من تلك الاغتيالات تصفية الرموز المؤثرة والمهمة ، وإثارة الرعب في صفوف من سينجو ، وشراء ولاءات البعض الأخر ، والذي ينجو من تلك الاغتيالات سيكون له حساب آخر ، وسوف تندفع قيادة الجنوب للجوء إلى عدن ، بلدهم الأصل ، ليتم الرقص على رؤوس المدافع والدبابات والطائرات ، بحجة أن قيادة الجنوب تريد الانفصال ، وأنهم كفار اشتراكيين وخارجين على الشرعية الدستورية ، تلك الشرعية الكاذبة والمزعومة .

لم يستطع نائب الرئيس ، الذي أصبح نائبا بالاسم والذي لا سلطه له في ظل حكم نظام صنعاء، وهو السبب في وصوله ووصول الجنوب إلى هذه المرحلة المخزية من المنهانة والسخرية ، أن يصبر على ما يلاحظه أمام عينيه ، وبوصول تلك الطلقات إلى اقرب الناس إليه ، عندها أعلن بصراحة أن اليمن دخلت في أزمة سياسية.

انا باعتقادي أن اليمن دخلت في الأزمة السياسة بإصرار البيض على الوحدة الاندماجية التي كان صالح يريد أن يوقع البيض فيها بأسلوب متهور باقتراحه أن تبدأ الوحدة بالفدرالية ، ليجد الطرف الثاني الذي هو البيض نفسه مدفوعاً لقبول الوحدة الاندماجية وبتهور، ولم يعرف انه قد وقع في الفخ القاتل ، وهذا يدل على ضعف حنكة البيض سياسياً والقيادة الجنوبية المتنفذة في ذلك الوقت بإدارة المرحلة .

وبهذا الاشمئزاز من هذه التصرفات ، وتعمد الكثير منها ، تم خلق صورة ذهنية سلبية عند أبناء المناطق الجنوبية ، لم تكن المشكلة في الوحدة إنما المشكلة في الآلية التي تأسست عليها الوحدة ، لم تكن الوحدة الاندماجية هي الحل الأمثل في بداية الوحدة .

لقد كانت الوحدة اليمنية مطلب وخيار استراتيجي لأبناء الجنوب، وقد تمثلت بالممارسات اليومية التي كنا نعيشها ، ونرددها صباحا ومساءا ، وأصبحت شعارا للصغار قبل الكبار ، وهو الدفاع عن الثورة ، وتحقيق الوحدة اليمنية ، لم يصدق علي صالح أن الأمر تحول إلى ما كان يحلم به من زمان ، وهو الاستيلاء على اليمن وبهذه السرعة والبساطة التي لم يتصورها ، فعندما حانت الفرصة الذهبية بالنسبة له بإعلان البيض فك الارتباط ، كان البيض قد حقق له الهدف الذي كان يرسمه ويريد الوصل إليه منذ توليه الحكم في شمال اليمن عام 78م، وكانت العملية قد اكتملت ، واشرف عليها الكثير من أقطاب النظام الذين كانوا متوحدين واخذين العهود والمواثيق للسيطرة على خيرات ومقدرات الجنوب لتكون هي المغنم ، ويصبح الشعب هو المغرم .

جاءت الحرب الإجرامية الهمجية في صيف عام 94 م والتي شارك فيها العديد من القيادات الشمالية ، ممثلة بالقيادة السياسة والعسكرية والقبلية والدينية المعروفة للجميع في توحد لم يشهد له مثيل من اجل المصالح المشتركة ، وأصبح الجميع في غرفة واحدة للعمليات يديرون الحرب ضد إخوانهم أبناء المناطق الجنوبية بحجة الحفاظ على الوحدة والشرعية الدستورية ، والحفاظ على الفرع في ظل وجود الأصل .

لقد استطاعت تلك القيادة المتعددة الأقطاب أن تقوم بعدة ادوار والهدف واحد في مفوضاتهم المزعومة ، تارة بالمفاوضات السياسية يمثلها القائد السياسي ، وبالحرب من خلال القيادات العسكرية ، وبالحشد الشعبي للجماهير وجعلها حرب مقدسة ضد مجموعة من الكفار الاشتراكيين ويمثلها القيادة القبلية والدينية ، واشترك الكل في تلك الحرب الهمجية ، وتم القضاء على الجنوب وتدميره ، وبل وتحويله إلى غنيمة حرب وفيد حتى أصبح مسرحا للنهب والسلب ، ولم تسلم من تلك الأفعال الهمجية حتى بيوت المواطنين الأبرياء ، وبانتهاء الغنائم العينية ، تحولت الجنوب إلى غنيمة يتقاسمها زعماء الحرب ، بل ويتوارثون السلطة والثروة فيها فيما بينهم .

لقد تحول الجنوب بعد الهرب الإجرامية الهمجية إلى ساحة نفوذ لترك الأطراف المشاركة في الحرب ، وأصبحوا هم المتنفذين والمسيطرين على الأرض والثروة والمناصب ، حتى أن الجنوب تحولت إلى أقاليم يديرها شخص واحد من خلال مجموعة بسيطة من الأشخاص أصحاب الولاء الشخصي لذلك الحاكم العسكري ، قليلي العلم والمعرفة .

اختفى قادة الجنوب من ذلك المشهد ، واتجه الجميع للبحث عن المصالحة الخاصة البسيطة ، وأصبح الشعب يصارع مصيره المحتوم بنفسه ، بل وتجرع القهر والذل والمهانة ، ولم نجد صوتا مرفوعا لتلك القيادات في الخارج للتنديد بما يجري لشعب الجنوب ، لا من قريب ولا من بعيد ، لم يكن خيار الشعب إلا تحمل المرارة التي لحقت به ، والنكبة التي حلت عليه، حتى وصل الأمر مبلغه ، والصبر منتهاه ، عندها انطلقت ثورة الغضب ، ثورة استرداد الحرية المسلوبة ، والأرض المنهوبة ، والتاريخ والحضارة ، ثورة الجنوب الحر ، الذي لا يرضى بالعبودية على مختلف تاريخه ومراحله، وان لم يجد القوة والمال ليبذلها في سبيل تحرير كرامة الإنسان الممتهنة ، لكن لديه عزائم الشباب ، وصبر الكبار ، والاستبسال مهما كلف الثمن .

انطلقت ثورة الغضب في باديتها بمطالب حقوقية لاسترداد جزء من الحق المنهوب من لقمة العيش اليومية ، فتوزعت مظاهرات العسكريين في العديد من المحافظات الجنوبية وبشكل متقطع ومن دون أي تنظيم أو تنسيق أو قيادات محددة وإنما كانت في غالبها تعبيرا عن سياسة الرفض والإقصاء التي تمارسها الحكومة ضد أبناء الجنوب وبسبب انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية وسوء الأحوال المعيشية في اليمن بشكل عام ، فأصبح الجنوب من أقصاه إلى أقصاه ، من المهرة إلى باب المندب ، شعلة واحدة لا تنطقي إلى أن تستعاد الأرض والحرية .

عندها بدأت تتشكل نواة القيادة الجنوبية لإدارة المرحلة الجديدة والتي تتطلب صلابة القادة ، وان يكونوا في الصفوف الأولى للتضحية من اجل الوطن المسلوب ، ولكنها كانت قيادة بسيطة متفرقة إلا القليل من المخلصين الذي يبذلون أرواحهم قبل أن يبحثوا عن مناصب في أحلام الشهداء الشباب ، ودموع الثكالاء والأطفال ، لا لمصالح شخصية ولكن لجمع الكلمة وتوحيد الصف والوصول إلى الهدف المنشود .

ومع تطور الأوضاع وبروز القضية الجنوبية ، وتزايد تضحيات شباب الجنوب بالنفس والنفيس ، وأصبحت قضية رأي عام ، ظهر القادة الجنوبيين الذي كانوا في القصور بينما الشعب في المحنة والنكبة ، وأصبح الكل يتكلم باسم الجنوب الحر ، وبل وصل الأمر إلى ادعاء الأحقية من بعضهم بان يكون هو المخول الأول للحديث عن القضية الجنوبية .

لم يكن سكان المناطق الشمالية ينظرون إلى الجنوبيين الثوار على أنهم أصحاب حق ، وان لهم حقوق مسلوبة ومن حقهم المطالبة بها ، ولكن الكل تحول إلى محارب ضد تلك الثورة خلال الخمسة الأعوام الماضية من نهاية عام 2006م حتى قبل خمسة أشهر من ظهور ثورة الشباب اليمنية كلل ، وأصبحوا عبارة عن صورة عاكسة لما يقوله ويروجه الإعلام اليمني من الأكاذيب والافتراءات والتشويه بالمواطن الجنوبي بعد أن قضوا على الثروة والأرض ، وان الجنوبيين لم يدخلوا الوحدة إلا بسبب انهيار الاحتداد السوفيتي ، عندها لم يجدوا ما يأكلون فلجئوا إلى الوحدة ، وان صانع الوحدة الحقيقي وباني نهضة اليمن إنما هو علي صالح ، وأما الجنوبيين فعبارة عن قتلة ومجرمين ، ولا ننسى ما كان يحدث بين اليمنيين في الغربة ، ووقوف الشماليين صف واحد ضد ثورة الحرية والكرامة في الجنوب ، ورميها بكل أصناف التهم ، وأصبح البعض يتصيد لزميله في العمل أو جاره ، ليوقعه في حبال الكيد والمكر ، ليرحل خارج أوطان الغربة ، ويعود إلى سجون الظلم والقهر في اليمن السليب .

ولكن إرادة الله فوق كل الإرادات ، وان يرينا عجائب قدرته في الظلمة ، وان يشاهد المظلوم عاقبة الظالم وما يحل به أمام ناظريه ، سقط صانع الوحدة وباني نهضة اليمن السعيد ، وأصبح في عداد السفاكين والقتلة والمجرمين ، بل وفي خانة فرعون وشارون بسبب تلك الجرائم التي استخدمها ضد اليمنيين خلال الثورة الشبابية العارمة في اليمن كلل .

والسؤال الذي يطرح نفسه ، كيف يستفيد الجنوب من هذه المرحلة الفاصلة في تاريخه ؟

وهل وصل قادة الجنوب إلى مستوى عالي من الحنكة والسياسة ليتمكنوا من إدارة المرحلة بالشكل الصحيح ؟ وأن يعيدوا للشعب الجنوبي أرضه وكرامته ؟

والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين .

11‏/06‏/2011

فـقـر الـقـيـادة فـي الـعـالـم الإسـلامـي


جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذه الأمة ، ورأى الأفراد والهيئات البشرية كخامات لم يحظ بصانع حاذق ، ينتفع بها في هيكل الحضارة ، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة.

رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع ، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه ، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه ، ويجرح به أولاده وإخوانه .

في كل ناحية من نواحي هذه الحياة الفاسدة تسترعي اهتمام المصلح وتشغل باله .

ولذا حرص الإسلام من أول يوم على رد النفس البشرية إلى فطرتها ، وفق منهج دقيق متناسق يحفظ للروح والعقل والبدن حقوقهم من غير تفريط ولا إفراط .

فإن الفضيلة كما يقول الإسلام تحيى إذا جاهد الإنسان لبسط سلطانها على الأرض ، وتموت إذا خذلها وتقاعس عن نصرتها .

ولهذا قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامل مصر ، وقد ضرب ابنه مصرياً ، وافتخر بآبائه قائلا : خذها من ابن الأكرمين ، فاقتص منه عمر ، وقال : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، فلم يبخل هؤلاء بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد ، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً ، بل كانوا كسحابة انتظمت البلاد وعمت العباد ، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر ، وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها .

وهذا ما امتاز به أصحاب النبي محمد عليه الصلاة والسلام بأنهم كانوا جامعين بين الديانة والأخلاق والقوة والسياسة ، وكانت تتمثل فيهم الإنسانية بجميع نواحيها وشعبها ومحاسنها المتفرقة في قادة العالم ، وكان يمكن لهم بفضل تربيتهم الخلقية والروحية السامية واعتدالهم الغريب الذي قلما اتفق للإنسان ، وجمعهم بين مصالح الروح والبدن ، وعقلهم الواسع أن يسيروا بالأمم الإنسانية إلى غايتها المثلى الروحية والخلقية ولمادية .

في اعتقادي أن الدعوة الإسلامية في هذا الزمن تشكو من فقر في القيادة والتنظيم ، ولا أكون مبالغاً إذا قلت أن عناية الحركة الإسلامية في تهيئة دعاة موجهين وخطباء مرشحين يفوق عنايتها في تكوين قادة منظمين ، حتى هذه النسبة الضئيلة في مجالات التكوين التنظيمي فغالباً ما تسوقها الصدف ، وقلما يأتي بها القصد والتصميم

وحتى المراكز القيادية في حياة الدعوة فقد بات لا يرشح لها إلا أصحاب الكفائأت ( العلمية والشرعية ) دونما القدرات التنظيمية ذات الكفائأت القيادية والإدارية ، فلا يكاد يبرع أخ في الخطابة أو ينال آخر مؤهلاً شرعياً حتى يرى نفسه لها أهلاً ، وهذا ما كان يؤدي في غالب الأحيان إلى إخفاقه في كثير من المهمات ، وبالتالي إلى خسارة الأخ نفسه بسبب ردود الفعل النفسية التي تصيبه منجراء فشله المتلاحق .

فمركز القيادة مركز الدائب والعمل المتواصل والجهاد المستمر .

ولذا كان من أهم موضوعات التنظيم ما يتعلق بالقيادة وخصائصها وصفاتها .

ولمعرفة القائد لامته تماماً يلزم أن يكون ملماً إلماماً جدّياً بشؤونها الفكرية والتوجيهية والتنظيمية ، مواكباً لنشاطها ، مطلعاً على أعمالها وتصرفاتها ، وما يدور في محيطها .

وضمان نجاح القيادة إنما يكون في تلاحمها مع أفرادها وعدم انفصالها عن الموكب المتحرك أو انعزالها في صومعة ، بل أن المسؤولية القيادية لتتطلب من صاحبها الاتصال الدائم بالإفراد والتعرف على آرائهم ومشكلاتهم .

وقيام القائد بملاحظة الأفراد وتعرفه عليهم جيداً ، وإطلاعه على أحوالهم وأوضاعهم الخاصة والعامة ، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ، والعمل على حل مشكلاتهم ، كل هذا مما يساعده على ضبطهم وكسب ثقتهم ، وبالتالي على حسن الاستفادة من طاقاتهم .

والأفراد ينظرون دائماً ويتطلعون إلى قادتهم كأمثلة حسنة يقتدون بها ويحذون حذوها ، فسلوك القائد ونشاطه وحيويته وأخلاقه وأقواله وأعماله ذات أثر فعلي على الجماعة بأكملها .

والقوة والإرادة ركن من أركان الشخصية القيادية بها تذلل الصعاب ، وبها تحل المشكلات ، وبها نجتاز العقبات .


إن الإسلام في هذا الزمن بحاجة إلى قيادة يحسنون عرض الأفكار الإسلامية ومبادئه ، ويحببون الإسلام فلا ينفرون منه ، ويوضحون أفكاره فلا يعقدونها ، فكم من أدعياء شوهوا الإسلام بسوء دعوتهم ، وأساؤا إليه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .

وأود أن أشير هنا إلى أن المحن والشدائد يجب أن تبعث في النفوس معاني الإصرار على الحق والثبات دونه ، كما ينبغي أن تدفع إلى مراجعة الأخطاء، وتعبئة القوى على ضوء الاستفادة من التجارب والأحداث

ان درب الدعاة في هذا العصر درب محفوف بالإغواء والإغراء ، لقد هدمت جاهلية القرن العشرين وما تلته في الواحد والعشرين كل معنى من معاني الفضيلة والخير والكرامة ، وأسفرت عن وجه كالح شاحب ترتسم فيه وتتوافر أساليب الغواية والفتنة ، وأزكمت مادية هذا العصر الأنوف حتى أصبح الإنسان لا يفكر إلا بها ، ولا يعيش إلا لها ، ولا يحكم على الأشياء إلا من خلالها ، أعمت بصره وبصيرته ، وأماتت حسه وشعوره .

وقد يكون من أهم ما تجب العناية به ووضع المناهج له ، تحويل المفاهيم والأفكار الإسلامية إلى سلوك وخلق أي إلى نفسية إسلامية ،وهذا ما يفرض إحكام الربط بين العقلية والنفسية أي بين التفكير والتطبيق ، ولقد ندد الإسلام بالانفصال جزئي الشخصية عن بعضها البعض فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) .

وفي كل الأحوال تحتاج الأمور المهمة إلى إِشراك مستشارين وأشخاص هم على جانب كبير من حصافة الرأي والتفكير ، وعلى القائد المسئول أن يكون لديه الشجاعة الكافية لاستقبال جميع الآراء التي تساعد على نضوج قراره حول المشروع الذي يريد صنعه ، فكيف إذا كان المشروع صناعة الإنسان ، وتطويره ، والارتقاء به إلى أعلى الدرجات .

فالقيادة لا تعني فرض الإرادة على العبيد المجهولين بل تعني الشورى والقيادة معا ، وتنمية تبادل الرأي والإخلاص للعمل .

كل قائد يحيط نفسه بأركان التي تقدم له كل شيء من عيون راصدة ، أيادي حارسة ، آذان ناصته ، شفائف متكلمة ، أدمغة مفكرة ... الخ ، ولكن مهما كانت صفة توظيفهم فهم ليسو سوى أعضاء ذات فعاليات منصبة لمصلحة شخص واحد الذي هو القائد ، وقدرة الله فوق كل كبير متعال .


06‏/06‏/2011

لا تـكن كـذابا مـثـل عـبـده الـجَـنَـدي .


لا تكاد سورة من سور القرآن إلا وفيها ما يمت بصلة لذم الكذب أو الوعيد للكذابين والتنفير من هذا الفعل الأثيم ، وقد بين الله سبحانه أن أهل الكذب تسود وجوههم يوم القيامة كما قال الله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) ، وهو من صفات المنافقين ، كما جاء في الحديث : ( إذا حدث كذب ) ، وقــد حــذر النبـــي صلى الله عليه وسلم مـن الكذب وبيَّن سـوء عاقبتــه فقــال
: ( وإن الكـذب ليهـدي إلـى الفجـور، وإن الفجــور ليهــدي إلــى النــار، وإن الرجـل ليكــذب حتــى يكتــب عنــد الله كذابـاً ).

ان الداعي إلى الكذب في كثير من الأحيان محبة النفع الدنيوي ، وحب الترؤس ، فالكذب عار وذل دائم ، والكذب مبغوض من فاعله رجلا كان أو أمراة ، فكيف لو كان حاكماً، أو وزيراً أو ناطقاً رسمياً باسم الدولة ، الذين يسعون إلى تنميق الوجه الحسن ، وهم ويبطنون عكس ذلك ، ثم يجعلون من ذلك الحاكم أميرا للمؤمنين

الحاكم الكذاب هو الذي يتأمر على وطنه ثم يدعي بالوطني !! والحاكم الكذاب هو الذي يسرق مال الشعب ثم يدعي أنه أمين عليه !! والحاكم الكذاب هو الذي يوالي أعداء دينه ووطنه ، ثم يدعي أنه يعمل لصالح دينه وطنه وشعبه !! وهو الذي يحدث قومه عن الرخاء وهو يضعهم في البلاء .

فكيف بمن حوله من الوزراء والناطقين الإعلاميين والوسائل الإعلامية ، وقد سخرت لخدمته والتسبيح بحمده ليلاً ونهاراً ، بل ويجعلون من الكذب صناعة إعلامية يتفننون بإخراجها حتى يظن العوام من الناس أنهم على الحق المبين

بل ويحولون الكذب من فعل شخصي ، لا يضر إلا فاعله إلى صناعة إعلامية تضر بالبلاد والعباد، وتنشر الفساد في الأرض ، وتحرض على الكراهية والقتل بين أبناء البلد الواحد ، عندها يصير الضرر متعدي إلى عامة الناس ، وينتشر بين الشعب العداوة والبغضاء ، ويصل إلى حد الاقتتال في كثير من الأحيان .

عبده الجَنَدي اسم أصبح متداول على السنة الناس في مختلف محافظات اليمن ، حتى في الدول المجاورة ، ولكن يا ترى بماذا اشتهرت هذه الشخصية إلى حد أن أطفال كانوا يعلبون في احد أودية اليمن المترامية الأطراف تحت أحد الأشجار ، وقد استطاعوا أن يزيحوا من تحت تلك الشجرة التي يلعبون تحتها الشوك والأحجار المختلفة ، ويحولون ذلك المكان الصغير إلى ملعب للكرة ، يتبارى فيه الفتية الصغار ، ولكن لا توجد لديهم كرة قدم في ظل الحكم الرشيد ، وفخامة القائد الرمز ، إلا مجموعة من نفايات الكراتين التي جمعوها من هنا وهناك ، وحولوها إلى كتلة صغيرة تشبه الكرة ، وبسبب حبهم لتلك اللعبة التي يلعب بها الكبار ، فَحَب الصغار أن يجربوها ، وأثناء لعبهم تناثرت تلك الكرة البسيطة المصنوعة من نفايات الكراتين ، فقال احدهم لصاحبه ستجدون ما يسركم ، قالوا وما ذاك ، قال سيرسل لنا الوالد الرمز علي عبد الله كرة قوية لنلعب فيها ، قال له صاحبه وبكل عفوية لا تكن كذابا مثل عبده الجندي !! لقد اشتهر ذلك الرجل بالكذب والتضليل على الناس بأساليبه المختلفة .

لا تكن كذابا مثل عبد الجندي أخي الكريم أينما كنت حتى الصغار أصبحوا يعرفون ذلك النوع من الكذب ، ويميزون بين الصحيح من القول وغيره .

ان الناس يتنافسون على صناعة الأوطان والرفع من شانها ، وعبد الجندي ومن معه يتفننون في الكذب ، حتى أصبحوا من صناع الكذبة الإعلامية التي يقولونها وتبلغ الأفاق في مثل هذا العصر المتطور ، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذا النوع من الكذب ، واخبرنا أن عقاب مثل هذا النوع من الكذب اليم كما جاء في الحديث : (وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ يُشَرْشِرُ فَمُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ فَذَاكَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ , يَكْذِبُ الْكَذِبَةَ، فَيَشِيعُ فِي الآفَاقِ ) هذا جزاء ذلك الكذاب الذي يخرج من بيته فيكذب أمام وسائل الإعلام فتنتشر كذبته في الأفاق ، وهو يعلم انه يكذب

سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيكون المؤمن جبانا فقال نعم ، فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم ، فقيل له أيكون المؤمن كذابافقال لا ) ،فالكذب بأنواعه صفة ذميمة ويكون أشدها ذماً كذب الإعلاميين لأن هذه الوظيفة يتطلب من القائمين عليها النزاهة والصدق.. فكيف بوسائل الإعلام الرسمية المختلفة في مختلف البلدان العربية التي أصبحت وسائل لتنويم الناس بالكذب وتزوير الحقائق ، والتحريض على الفتنة والقتل .

سيرحل الرئيس ومن معه ، نعم سيرحل ولكن أين سيرحل الكذبة المزورون للحقائق ، المتباكون على الوطن زوراً وبهتاناً في وسائل إعلامنا المختلفة ، هل ستستمر تلك الوجوه الكالحة في أماكنها ، وتستمر الحكاية ؟ وأين سيكون مصير عبد الجندي الكذاب الأشر ؟ أسئلة نطرحها على شباب الثورة لعلنا نجد عندهم الحل .

فإلى متى سيكون الشعب المسكين لعبة بالية يلعب بها القريب والبعيد ، وفي أي وقت يريد .

27‏/05‏/2011

هل سـيـنـطـق الـحـرس الـجـمـهـوري ؟


لقد اقتربت ساعة النصر التي بشرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي يمنحها سبحانه لعباده الصابرين ، وانه يُعطي على الصبر ما لا يُعطي على غيره .

إن هذه الثورة وان طال أمدها فإنها منحة إلهية ، ومدرسة تربوية لجميع إفراد الشعب اليمني السعيد ، من أقصاه إلى أقصاه ، ليستعيدوا مجداً حوله المجرم إلى ركام ، وشعب عظيم صوره الطاغية قطعان من الأغنام .

مدرسة يستنهض فيها الجميع عبق الماضي وأصالة الحاضر ، يتجلى فيها الخلق الرفيع والإيثار مع قلت ذات اليد والحاجة ، والذود بالغالي والنفيس بدون ما رابطة قبلية أو مناطقية تجمعهم وتوحدهم إلا استعادة روح اليمن المسلوبة وكرامته المجروحة ، وهذا ما شاهده العالم خلال الثلاثة الأشهر الماضية .

فيا شباب الثورة اليمنية لقد مارس النظام البائد الظلم والاستبداد ، والجور والطغيان ، والإفساد في الأرض ، وزرع الحيلة ، ونبذ الفضيلة وهتك الأعراض وقذف المحصنات ، ونهب الثروة والأرض ، وصادر الحقوق والحريات ، وهمش الشعب بأكمله وليس الشباب ، وأشعل الحروب ونشر الفوضى والفتن ، وجلب العار لليمن ، فهل آن الاون أن نخلعه .

يجب على الشعب اليمني العظيم ان يهب لخلع الطاغية ، وأن يصمد بكل ما أوتي من قوة حتى يزلزل عرشه المتهاوي، ومن ثم محاكمته وتنفيذ حكم الله فيه .

لقد اقتربت ساعة النصر فلا تترددوا ، ولا تختلفوا ، وكونوا يد واحده وصفن واحد ، إنها اللعنة تتابع السفاح مسيلمة الكذاب حتى ترديه من على حماره الأجرب الهزيل .

لقد سقط ، وسوف تسقطه الدعوات التي ما زالت تلهج بها حناجر اليتامى وأمهات الثكالى وعامة الشعب المقهور .

سيسقط بدعوات النساء اللواتي قُذفن بالعار ، ودُنس شرفهن الطاهر العفيف .

سيسقط بدموع الباكين وهم يتألمون على فقد الأب والأخ والصديق ، بل وانين المصابين وحشرجة أصواتهم ، وتطاير أشلائهم في كل مكان .

لقد آن الأوان أن ينطق حراس الجمهوري في وجه هذا الصنم ويقول له كفاك قتلا كفاك تشريدا ، كفاك تدميرا لبلدنا الجميل .

لا تظن انك حكمت فعدلت ، فنمت فأمنت ، فلن يهنى لك عيش ، ولن يغمض لك جفن ما دام الرجال على أبوابك وهم شاهرين السلاح ليأخذوا الثار منك .

لقد سئم الكل منك ، ومن حكمك ، ومن زبانيتك ، فارحل لعل اليمن يستعيد جزء من نور وجه المشرق الجميل، الذي مُرق في الوحل والعار طيلة حكمك التعيس .

05‏/05‏/2011

مـن يـصـنـع مـجـد الـوطـن وعـز الأمـة

مـن يـصـنـع مـجـد الـوطـن وعـز الأمـة

إن استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والعلمي في مجتمعنا رسخ لدى الإسلاميين شعورهم المشروع بمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية في ضرورة مواصلة مساعيهم وتطويرها وتقدمها على أسس الإسلام العادلة ، وفي ظل نهجه القويم ، وإقامة الدولة المدنية المتحضرة .

وتأكيدا لهذا الوضع من ناحية، وتكافؤا مع جسامة المهمة ومقتضيات المرحلة من ناحية أخرى، فإنه يتعين على الإسلاميين بمختلف توجهاتهم دخول طور جديد من العمل والتنظيم يسمح لهم بتجميع الطاقات وتوعيتها وتربيتها وتوظيفها في خدمة قضايا شعبنا وأمتنا. ولا بد لهذا العمل أن يكون ضمن حركة مبلورة الأهداف ، مضبوطة الوسائل ذات هياكل واضحة وقيادات ممثلة ، لأن الإسلام يدعو إلى التنظيم وتحديد المسئولية ، ويكره الفوضى والاضطراب في كل شئونه .

ويجب التأكيد على شمولية الإسلام ، وإبراز جانب الدولة في أحكامه وتعاليمه ، وكيفية توجيهها بأحكامه وآدابه ، وإعلان أن ذلك جزء لا يتجزأ من نظام الإسلام الشامل ، الذي امتاز بشموله للزمان والمكان والإنسان ، لان طبيعة الإسلام دين عام ، وشريعة شاملة ، ولا بد أن تتغلغل في كافة نواحي الحياة ، وعندها نستطيع التوفيق بين الرقي الحضاري ، والسمو الأخلاقي ، والمبادئ الخالدة .

إننا لا نريد الإسلام الروحي أو الإسلام الكهنوتي الذي يكتفي بتلاوة القرآن على الأموات ، لا على الأحياء ، أو افتتاح الحفلات بقراءة ما تيسر منه ، ثم ندع قيصر يحكم بما يشاء ، ويفعل ما يريد !

اذا كان الإسلام شيئاً غير السياسة وغير الاجتماع ، وغير الاقتصاد ، وغير الثقافة ، فما هو إذن ؟ أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر ، أو هذه الألفاظ التي تقول رابعة العدوية :استغفار يحتاج إلى استغفار .

إننا نطمح إلى تلك الدولة التي هي ليست دولة دينية أو ثيوقراطية تتحكم في رقاب الناس وضمائرهم باسم الحق الإلهي ، ولكن هناك ركائز تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة :

1 – الخلق والإيمان .

أول شرط قام به نبينا محمد صلى لله عليه وسلم ليؤسس المجتمع المثالي والدولة الحديثة الإيمان بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، ومن ثم غرس القيم التي يجب أن يتصف بها ذلك المجتمع المثالي العظيم ، فكان أولها الخلق ، قال عليه الصلاة والسلام : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، لأنه لا يمكن أن يبنى مجتمع مدني يتطلع لنشر الحضارة إلا بسموا أخلاقه وكريم فضائله ، ومن تلك الأخلاق سيادة العدل ، وتحريم الظلم ، فلا يليق بمجتمع يريد أن يصل إلى التقدم والرقي وهو يمارس الظلم ، ولا يقوم بالعدل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)، وكان يهدف عليه الصلاة والسلام من خلال وضع تلك الصفات الجاهلية إلى غرس القيم للمجتمع الجديد ، وان تكون من خصائصه وأركانه التي لا ينفك عنها ، وان يبنى مجتمع متماسك يسعى الغني فيه لانتشال الفقير لا لهضمه واضطهاده ، وقتل إنسانيته وعزته وكرامته .

1– العلم والتقنية .

من المعروف أن عمليات التحديث والنمو الاقتصادي والاجتماعي تحتاج إلى أن يأخذ العلم والتقنية دورهما في أي مجتمع يرنو إلى التقدم والازدهار، ولا يمكن أن تقوم نهضة حقيقة في مجتمع ما إلا بالعلم الذي يوصل إلى التقنية الحديثة ، والتنمية الشاملة في جميع مجالات الحياة المختلفة .

فالعلم ضروري لأي حضارة أو نهضة – وقد أدت الحضارة الإسلامية بفتوحاتها العلمية إلى الازدهار الذي بلغته الإنسانية، وأول آية نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ، وتدل دلالة على وجوب العلم وضرورته للإنسانية لما فيه من صلاح حال الدنيا والدين معاً .

3 – القوة والاستقلال .

لا يمكن أن تكون أمة ذات حضارة وعز ، وهي أمة ضعيفة (إلى من تكلني) ، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف بعد أن رجم وأوذي ، لا هو قادر أن يدخل مكة ، ولا هو يستطيع الرجوع إلى الطائف ، فكان حريص عليه الصلاة والسلام على تأسيس ذلك الوطن الذي يعطيه القوة والمهابة ، ويمنحه العزة والمجد .

ان هذه الدنيا لا يقوم بصناعتها إلا من يقوم بها من جميع جوانبها ، لذلك أهم ركيزة من ركائز الدولة الحديثة امتلاك مصادر القوة ، العلم ، الاقتصاد ، الأخلاق ، اذا فمن يصنع هذا المجد ويعيد العز للأمة ؟ لا يستطيع أن يصنع مجد الوطن ، ويعيده للأمة إلا من توفرت فيه عدة شروط منها : -

1 – أن يكون صاحب رؤية واضحة ، وطموح للمستقبل المشرق ، والذي يستطيع أن يتصور الأمة وهي عزيزة ، وأن يرى رؤية بعيدة ومستقبلية لما يريد أن يصل إليه ، و العمل بعلانية ، كما يجب أن يكون واضح مع نفسه ، ومع غيره ، وان يكون على قدر المسئولية .

2 – التخصص ، فالتخصص هو الذي يعطي التنوع في الحياة ، والتكامل في الأدوار ، ومن ثم يركز كل فرد على تخصصه ، عندها يستطيع الجميع أن يبدع كل في مجاله ، ليساهموا في التنمية والبناء ونهضة الأمة .

3 – الجدية ، فلا يصنع المجد ولا يبني الدولة الشباب المستهتر أو المتسكع في الأسواق والطرقات ، أو البعيد عن واقع الحياة ، إننا نجد عظماء التاريخ وصانعي المجد ، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالبذل والعطاء والجد والتعب وسهر ألليال لخدمة وطنهم وأمتهم .

4 – العمل المؤسسي ، لقد انتهى زمن الفرد الذي يصنع المجد ، ويبني الأمة ، بل هو بالعكس السيف المسلط على رقاب الناس ، ومحطم مجد الأمة ، فلا بد أن نبذل الجهود لبناء مؤسسات لا إبراز أفراد ، وإنما بناء الفرد بناءاً مؤسسياً .

لذا يجب علينا أن نركز على فئات معينة التي من خلالها نعيد للوطن عزه وللأمة مجدها وحضارتها :

1 – الشباب ، فهم أمل الأمة وصناع المجد ، فهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا شباب ، لقد اتبعه الشباب ، وتركه الكهول ، فالشباب هم آمل الأمة ومن يملك الحماس للتغيير والبناء ، ومن لديهم الاستعداد للثبات على المبادئ وبذل الروح من اجلها .

2 – النشء والأطفال ، فهم اللبنة الأولى في هذا المشروع العظيم ، فيجب القيام بتنمية النشء والنهوض به ، بدءاً من غرس قيم الحب والفضيلة فيه ، ثم المضي به رويداً رويداً حتى يصير قامة سامقة في بناء مجد الوطن وعز الأمة .

3 – المرأة ، لقد تمتعت المرأة في ظل الإسلام بمكانة مرموقة ، فهي أول من آمن وصدق وضحى بالمال والنفس في سبيل الإسلام ، وقد حظيت باهتمام كبير ، ومكانة عالية ، فقد أبى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن يسجل للأمة الإسلامية وللعالم عبر الأجيال إلى نهاية الحياة مكانة المرأة التي تحتلّها في رسالته ودعوته إلى الحق والهداية ، ولذا أوصى بها خيراً : ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) وهن شقائق الرجال ، ونصف المجتمع, فإذا أهُملت سار النصف الآخر يعرج على قدم وساق ، فكان لها الأثر الكبير في تقدم الأمة وازدهارهاعلى مر التاريخ الإسلامي .

4 – الموهبون ، تقول كل الدراسات أن صانعي نهضة الأمة هم الأذكياء ، فلا بد من إنشاء مراكز ، أو مدارس للموهبين ، وليس للأوائل فقط ، حتى نستطيع أن نخرج قادة المستقبل ، وصناع المجد ، وأن نزرع فيهم بل ونرسخ قيم ومفاهيم هي أساس في بنائهم منها :

1 – الهوية العربية الإسلامية ، ان الشعور بهذا الانتماء هو الدافع لاستعادة مجد الأمة الضائع، لا من يتسكع وراء الغرب في كل ناعق ، نعم نؤخذ من تنظيمهم ومن علمهم ، وإمكانياتهم، ولكن نعتز بهويتنا وحضارتنا .

2 – المنهجية ، فلا تكفي المواعظ والمحاضرات ، لا بد من منهجية واضحة تبني عليها الجيل الصاعد ، والفرد المسلم وذلك من خلال خطوات متسلسلة ومركزة لنستطيع إنتاج ذلك الجيل المتعدد المواهب ، المتكامل الأدوار ، المتسلح بالعلم والمعرفة ، التواق لبناء وطنه وأمته .

3 – التركيز على التعليم والإعلام ، يعد التعليم والإعلام من أهم الوسائل في القديم والحديث في صناعة المجتمعات ، ونحاول أن نتذكر ان 60 في المائة من ميزانية تونس قبل الثورة كانت تصرف على التعليم ، ولذا كانت الشرارة الأولى في التغيير في عصرنا هذا من هناك .

وثانيا الإعلام ، فمن خلال دراسة أجريت على أهم الأشياء التي تزرع القيم سواء أكانت ايجابية أم سلبية ، الإعلام ، البيت ، المدرسة – الأصحاب ، المسجد ، اكُتشف أن الإعلام الدرجة الأولى لزراعة القيم والتأثير في الناس، فلا بد من التعليم من جهة ، والإعلام من جهة ثانية .

وأخيراً ، لا بد من تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ، ومقتضيات الحياة المتطورة ، وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب ، وأن تكون لنا قيادة تعرف ماذا تريد ، وكيف تحرك الشعوب باتجاه هذا الهدف ، وأن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.

فدولة الإسلام لا تقوم على الوراثة التي تحصر الحكم في أسرة واحدة ، أو فرع من أسرة ، يتوارثه الأبناء عن الآباء ، والأحفاد عن الأجداد ، كما يتوارثون العقارات والموال ، وإن كانوا أضل الناس عقولا ، وأفسدهم أخلاق .

** بعض العبارات مختارة من كتابات بعض الكتاب بتصرف .

28‏/04‏/2011

الدولة الإسلامية (مدنية ) لا دينية ولا علمانية .

الكاتب : طارق الكلدي .


لقد عانت الشعوب الغربية أشد المعاناة من الدولة القيصرية التي حكمتهم وتحكمت فيهم بِكَهنتِها خلال العصور الوسطى باسم الدين المقدس ، فزعمت لرأس الدولة بأنه ابن السماء المعصوم بل زعمت ذلك لجميع عمال أجهزتها وادعت بأن قولهم الفصل يمثلون بسلوكهم في الأرض إرادة الرب في السماء !!

وكانت تقوم هذه الدولة الدينية المقدسة! (حسب زعمهم) بحروب طاحنة ضد كل من لم يدين بدينها من الشعوب التي تحكمها بل حتى ضد من لم يلتزم مذهبها الخاص بها داخل الدين الواحد!!

واستطاعت الشعوب الأوروبية طبعاً بعد جهد طويل أن يجعلوها علمانية تعيد الكهنة إلى داخل الكنيسة وتفصل الدين عن الدولة وتمنع الكنيسة من تجاوزها لحدود صلاحياتها ، وعادت الكنيسة إلى حالتها الطبيعية إذ هي رسالة روحية بحتة لا علاقة لها بالسياسة مطلقاً ، وهذا ما صرح به إنجيلها قائلاً : ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله )

إن الدولة الدينية الكهنوتية التي تحّكمت في الغرب فيما مضى باسم الدين المقدس هي السبب الوحيد في اختيار الشعب الأوروبي للبديل العلماني ، وهذان الخياران السياسيان كلاهما لا مكان لهما في المجتمع المسلم الذي تقوم دولته الإسلامية على العلاقة المرنة المتزنة بين الدين والدولة وذلك لأن نصوص رسالته في هذا الشأن نصوص غايات ومقاصد تتغير في النظام والآليات بحسب تطور الزمان والمكان والشعوب ، وهذا ما يجعلها صالحة لكل عصر ومصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وأمّا رأس الدولة الإسلامية وعمال جميع أجهزتها فهم بشر يصيبون ويخطئون تختارهم الشعوب وتراقبهم وتشترط عليهم ، ومن حقها أن تعزلهم إذا وجد فيهم ما يمنع بقاءهم ويتعارض مع مهامهم ويوجب العزل ، والنصوص الشرعية في هذا الشأن كثيرة غير خافية بل أكدها بالقول الخليفة الأول في الدولة الإسلامية في أول خطبة له بعد مبايعته بالخلافة حيث قال : لقد وليت عليكم ولست بأفضلكم ... فإن أخطأت فقوموني ) ومثل هذا التأكيد صح عن بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

وإذا كانت الدولة الدينية في الغرب النصراني قد أكرهت شعوبها على التدين بدينها بقوة الحديد والنار فإن الدولة الإسلامية قد منحت طوال حكمها المخالفين لها في الدين حرية البقاء على دينهم إن هم أرادوا ذلك سواء كانوا أهل كتاب سماوي محرف ، أو أهل دين وضعي أرضي كالمجوس ونحوهم ما داموا في إطار حكم الدولة الإسلامية من الناحية السياسة ، وقد عاشوا مواطنين في الدولة الإسلامية بكل حرية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم حسب ما يقره الإسلام .

ولهذا نقول بأن الدولة الدينية هي الدولة التي جميع أركانها دين مقدس وهذه الدولة ليس لها وجود في المنهج الإسلامي بل أن اجتثاثها والإتيان عليها من أساسها جزء لا يتجزأ من مهام رسالة الإسلام الخاتمة.

وإن كانت العلمانية في الغرب النصراني طبيعية لكون رسالتهم روحية لا هم لها سوى تزكية النفس فقط فإنها -العلمانية -تتعارض مع ثقافة الشرق الإسلامي الذي نطقت نصوص رسالته السماوية المتواترة بما ينافي ذلك ويضاده إذ هي رسالة شاملة لكل نواحي الحياة بدون استثناء وهذا قضية محسومة ومعلومة من الدين بالضرورة ، ولا يسعنا كمسلمين مناقشتها أبداً إلا إذا جوّزنا لأنفسنا مناقشة الإسلام ذاته.

فالدولة الإسلامية هي الدولة التي تعترف بالإسلام عقيدة وشريعة وتمارس ذلك عملياً فان هي تنكرت للإسلام عند الممارسة والتطبيق وإن اعترفت به من ناحية نظرية كما هو حاصل في دول العالم الإسلامي هذه الأزمان فلا تكون إسلامية أبداً ويعد اعترافها بالإسلام مجرد إدعاء فقط .

وإذا كان وصف الإسلام لا يُرفَع عن الدولة الإسلامية حتى في ضل حكم الدكتاتور الظالم فانه يتوجب علينا أن نقيدها -الدولة الإسلامية -بالمدنية- وهذا مقتضى جهاد الظالمين إذ الدولة المدنية هي دولة العدالة والنظام والقانون وليس لها خلفية أيدلوجية معينة وهذا القيد ( المدنية ) مهم جداً نحتاج له في التخلص من الدكتاتور المسلم كما احتاج له الغرب ليتخلصوا به من الدكتاتور اللاديني ( العلماني ) .